عشاق الله

النور : الكلمة الأولى

  النور : الكلمة الأول

"النور" من أسماء الله الحسن. وهو عند ابن عربي مبدأ الخلق أو مبدأ الظهور. فلولاه ما خرجنا من ظلمة العدم إلى نور الوجود. فانبساط النور في البدء هو الذي أظهر الموجودات بوصفها ظلالًا. ويتداخل النور في المعتقد الصوفي بالكلام. ذلك أن الكلمة الأولى, أي "كن" هي في الأصل نور لأن عنها ظهر الوجود. فلولا نور هذه الكلمة ما ظهر الوجود وما خرج عن ظلمته. ويكتسي هذا الاسم الإلهي "النور" لدى الصوفية أهمية بالغة لاقترانه بنظريتهم حول التجلي.

فالتجلي ظهور. وكل ظهور يقتضي نورا. فتجلي الله في صور الوجود من شجر وحجر وبحر ونهر, وجمال وجلال, وانتظام وتعاقب, وما إلى ذلك يعود إلى نوره الساري. فبنوره ظهرت الصور. ويترتب عن علاقة النور بالموجودات كون هذه الموجودات ظاهرة به. فهي هو وما هي هو. ولعل الموجود الذي تحقق فيه التجلي بامتياز هو الإنسان.

فالإنسان عند الصوفية نور و ظلمة, بخلاف الله فهو نور مطلق. وانطلاقا من اسم الله "النور" يشرح الصوفية الوحدة و الكثرة في الوجود. فالنور واحد والظلال عديدة. والإنسان من الظلال فهو أيضا متعدد. ولكون الإنسان يجمع بين النور والظلمة , فقد سماه ابن عربي ب"النور الممتزج". و من هذا الامتزاج تبدأ معاناة الإنسان الوجودية عند الصوفية. فالصوفي يسعى إلى تذويب الظلمة المقترنة بطبيعته ليبقى بالنور الإلهي المبثوث فيه. لكن هذا المسعى يظل مستحيلا, وهذه الاستحالة هي مبعث الحزن الصوفي. فحزن الصوفية حزن وجودي لا يشبه حزن العامة المرتبط بشواغل الحياة و أوهامها. مأساة الصوفي تكمن في رغبته لأن يتحول نورا مطلقا غير أن المحدود لا يصبح مطلقا أبدا. وقد كان بديل هذه الاستحالة هو تحويل الصوفي حياته إلى طريق دائم مما جعله في سفر نحو نور متمنع باستمرار. و هذا التمنع يدفع الصوفي إلى مزيد من اليقظة و مزيد من المجاهدة
لتلطيف ظلمته و "روحنة"* جسده على حد تعبير ابن عربي. والصوفي في ذلك يتشبه
بالرسول الذي دعا ربه قائلا:" اللهم اجعل في سمعي نورا, وفي بصري نورا, وفي شعري نورا", حتى قال "واجعلني نورا".

ومسعى الصوفية إلى تحويل حواسهم إلى نور معناه أن يخرجونها من الجمعي فيها. فالإنسان يسمع بأذن الجماعة ويبصر بعين الجماعة, أما الصوفي فيجهد لأن يسمع بالله, وأن يبصر به. وهو ما يطلب تشويشا مستمر للحواس.



*الروحنة: من الروح , أي جعل الجسد روحا خالصة

--------------------