عشاق الله

الحكمة

 

الحكمة من الكلمات الهامة اتي نجدها بكثرة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، فالكتاب المقدس يذكر كثيراً أهميتها وفاعليتها إذ يقول أن "الرب بالحكمة أسس الأرض" (كتاب الأمثال 3: 19)، وأيضا أن "حكمة المرأة تبني بيتها" (كتاب الأمثال 14: 1). كما يمدح ويعظم كثيراً قيمة الحكمة وكل من يمتلكها، كما في الآية التالية "طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم لأن تجارتها خير من تجارة الفضة وربحها خير من الذهب الخالص.. وكل جواهرك لا تساويها". ويقول عن علو قيمتها بالنسبة للشخص الذي يحوزها "في يمينها طول أيام وفي يسارها الغنى والمجد(...) هي شجرة حياة لممسكيها" (كتاب الأمثال 3: 13-18). ويبلغ وصفه للحكمة وأهميتها القمة بالنسبة لحياة الإنسان الذي يملكها حين يقول "لا تتركها فتحفظك أحببها فتصونك. الحكمة هي الرأس فاقتنِ الحكمة... ارفعها فتعليك. تمجدك إذا اعتنقتها. تعطي رأسك إكليل نعمة. تاج جمال تمنحك" (كتاب الأمثال 4: 5- 9). أما في العهد الجديد فنقرأ أيضا قول الرسول يعقوب "وإذا وُجِدَ بَينَكُم مَن يَدَّعي أنّهُ مُرشِدٌ حَكيمٌ، وأنّ اللهَ يَهديهِ إلى الحَقِّ المُبين، فعليهِ أن يُبَرهِنَ على ذلِكَ بحَياتِهِ الصّالِحةِ، مِن خِلالِ أعمالٍ يأتيها بتَواضِعٍ نابِعٍ مِن حِكمةِ اللهِ." (الحواري يعقوب 3: 13)، كما يكتب الرسول بولس "تَصَرَّفوا بِحِكمةٍ" (كولوسي 4: 5)، ثم يدعو لمؤمني كولوسي قائلا "ومُذ بَلَغَنا هذا الأمرُ، لم نَنقَطِع عن الدُّعاءِ مِن أجلِكُم، راجينَ مِن اللهِ أن تَكونوا حُكَماءَ مُدرِكينَ لِنَفَحاتِ رُوحِهِ، حَتّى تَغمُرَكُم حَقيقةُ ما يُرضيهِ." (كولوسي 1: 9). 

لكن الكتاب لا يقصد هنا الحكمة الطبيعية البشرية الأرضية، فهذه الحكمة الأرضية هي غالبا ما تكون بعيدة عن مقاييس الله وأركان الكلمة الإلهية. والرسول يعقوب يتحدث عن مثل هذه الحكمة التي يسميها "دُنيويّةٌ، بَشَريّةُ، شَيطانيّةٌ! " (رسالة الحواري يعقوب 3: 14-16) لأنها تمتلئ بالغيرة والتخندق مع البعض ضد البعض. يقول الكتاب المقدس أيضاً عن مثل هذه الحكمة ".. وعلى فهمك لا تعتمد... لا تكن حكيماً في عيني نفسك.." (كتاب الأمثال 3: 5-77).   

إن الحكمة الحقيقية هي تلك التي تجلت في الصلاة التي رفعها الملك سليمان لله تعالى. فهو رغم حكمته التي كانت مضرب الأمثال ورغم ملكه العظيم كان يشعر بضعفه وصغره وحاجته الماسة للرب وللحكمة السماوية، حيث أنه صلى بهذه الكلمات "أيها الرب إلهي أنت قد مَلَّكتَ عبدك مكان داود أبي وأنا فتى صغير لا أعلم الخروج والدخول.. فأعطِ عبدك قلباً فهيماً لأحكم على شعبك وأميِّز بين الخير والشر" (كتاب الأمثال 3: 7-13). لقد كان سليمان متواضعاً جدا أمام حجم المسؤولية الكبيرة المُلقاة عليه للحكم على شعب الله العظيم، وكما أنه لم يستسلم لمشاعر الخوف والعجز، فإنه أيضا لم ينتفخ ولم يتكبر، بل كان لديه تمييز عجيب، فأدرك أنه لكي ينجح في المُلك عليه أن يتكل على الرب ويطلب الحكمة التي من عنده.