عشاق الله

شخصيات عربية (الأخطل)

  شخصيات عربية

الأخطل

شاعر عربي نصراني، ولد في حدود عام 640م بالحيرة (الأغاني، جـ7، ص170) أو في الصحراء الشامية غير بعيد من الرصافة حيث كانت عشيرته (انظر ديوان الأخطل، طبعة 1891 – 1892م، ص 82، س1؛ الأغاني، جـ11، ص 55-60)، وهو غياث بن الصلت بن طارقة، وينتسب غلى عشيرة بني جشم بن بكر التغلبية (الديوان، ص 176، 178؛ الأغاني، جـ7، ص 169؛ مجلة المشرق، 1904، ص 479) وهي من أشهر قبائل العرب. وكانت أمة ليلى من قبيلة إياد النصرانية. ولما كان قد اختار لنفسه لقب "الأخطل" فلا بد أنه لم ير فيه ما يكره. ودعاه خصومه بـ"دوبل" (الديوان، ص 1) وكني باسم ابنه الأكبر مالك. وقد عاش ومات نصرانياً لأنه انحدر من قبيلة تغلب النصرانية، وإذا أحوجنا الأمر إلى دليل فحسبنا هجاء جرير له، ولا نجد للنصرانية في ديوانه إلا أثراً ضئيلاً. بل هي لم تمسس قرارة نفسه. شأن جميع الأديان بين الأعراب: وقد ورد في ديوانه ذكر القديس سرجون والصليب والرهبان والدعوات النصرانية؛ ويقابل هذا بعض العبارات الإسلامية الشائعة التي تدلنا على أثر البيئة الإسلامية فيه (الديوان، ص 78، 119، 184، 204، ديوانه طبعة 1905م، ص 171، س6، الأغاني جـ7، ص 173). وكان يظهر بين الناس وفي عنقه صليب من ذهب على عادة النصارى من الأعراب، ويولى وجهة شطر المشرق في صلاته. وكان يتناول القربان المقدس ويقبل بخضوع ما كان يفرضه عليه كاهنه من عقوبات علنية.
ولما دعاه الخليفة إلى الإسلام رفض في إباء (الديوان، ص 154) وهجا خصومه من المسلمين بقوله: فما الدين حاولتم ولكن دعاكم إلى الدين جوع (الديوان، ص 315، س 13). ومع ذلك فلم يكن أكثر مراعاة للتعاليم النصرانية، ذلك أنه طلق امرأته ثم تزوج طالقاً وتلك سنة شائعة عند النصاري من العرب. ولنا أن نتساءل: هل عاشر الأخطل قينة حباه بها ابن زياد؟ (الديوان، ص 181، س3). يقول ذلك مرجليوث ولكنه لم يقم الدليل عليه (Mohammad: Margoliouth، ص 40). وكان الأخطل مسرفاً في الشراب، وهو أمر لم يتأثر فيه الأقدمين الذين عرفهم وقلدهم، بل كان يشرب لأن النصارى رأوا في الخمر ما يميزهم عن المسلمين. على أن الأخطل كان يرى هو وكثير من رفاقه من المسلمين (الأغاني، جـ8، س15، جـ9، ص78، جـ11، ص 39) أن الخمر مصدر للإلهام الشعري. فكان يختلف في نفر من بني هاشم وابن لعثمان (الديوان، ص 27، س6؛ ديوانه المطبوع 1905، ص 174) إلى حوانيت الخمر. ويظهر أنه من العسير أن نعتفر له اتصاله بالقيان الفاجرات طوال حياته إن تسامحنا فغفرنا له نسيبه وهو حب عذري لا فحش فيه كان مبتذلاً في عصره (مجلة المشرق، ص 479). وفي ديوانه عفة، عدا بعض أبيات مطابقة للواقع كل المطابقة (انظر ديوانه طبعة 1905م، ص 105، 106، 109، 110، 165، س15) وأي شيء هي إذا قيست بما عرف عن فحش العرب في الهجاء، وحسبنا هجاء جرير والفرزدق وحميدة الأنصارية (الأغاني، جـ8، ص 139-140). وكان الأخطل – شأن بني تغلب – ممن أخذوا بمذهب الطبيعة الواحدة في الله، ولم يمنعه هذا من أن يكون صديقاً لأسرة ابن سرجون الملكانية ذات النفوذ الواسع.
ولما طلب يزيد من معاوية إلى كعب بن جعيل شاعر الأمويين أن يهجو الأنصار، أشار عليه بشاعر حدث من قبيلته هو الأخطل، فوفق الأخطل إلى هداء مقذع (الديوان، ص 314) كاد يودي بحياته لولا تدخل يزيد. ومنذ ذلك العهد شارك الخليفة مائدته وصحبه إلى مكة، وشرع في مدح الأمويين: يزيد وعبد الله بن معاوية (انظر شراح ديوانه، ص 167، 176؛ وانظر أيضاً ديوانه المطبوع عام 1905، ص 63-72؛ ومع ذلك فقد ذكرت وقعة هرج راهط التي وقعت بعد عهد يزيد) وخالد بن يزيد وعمالهم: زياد وأبنائه والحجاج وغيرهم. ولما اتخذه عبد الملك شاعراً للدولة الأموية (الأغاني: جـ12، ص172، 176) أخذ يتغنى بمدح هذا الخليفة وأقربائه: عمر بن عيد العزيز وابنيه الوليد وسليمان، ثم شاد بذكر عثمان (الديوان، ص39، س6؛ 192-194). وهجا أعداءهم من العلويين وآل الزبير والأنصار (الديوان: ص 58-64، 73-76، 93-94، 246، 277، 278، 289 وما بعدها) وبني قيس، الذين خاصموا بني مروان منذ وقعة مرج راهط. فيا له من شاعر سياسي يقربه أصحاب السلطان ويخشاه المعارضون. ولأشعاره في هذه الناحية قيمة تاريخية عظيمة: نجد فيها آثار الجاهلية ونزعات عصره، كما أظهرنا بترفعه واستقلاله على تسامح الأمويين الذين كانوا عرباً قبل أن يكونوا مسلمين. (المشرق، ص 478، 482). وإن الأثر الذي تركه هذا النصراني يمثل لنا مظهراً من مظاهر عصر الانتقال الذي كانت تمر به الأمة العربية في ذلك الوقت. وجاء في ديوانه طبعة 1905 ص 170-171، أن عبد الله ابن جرير البجلى قد انضم نهائياً إلى الأمويين. وقد ظلت الخصومة بين الأخطل وجرير حية في تاريخ الأدب. وكان الأول قد تفوق بصفة عامة على خصمه جرير الذي كان أقل منه إقذاعاً وأكثر لغواً، ونقائضهما موضوع بحث طريف. ويؤلف الأخطل وجرير والفرزدق الطبقة الأولى من السعراء التي لم يجد نقاد العرب منذ ظهور الإسلام ما يقارن بها. ويختلف النقاد في المفاضلة بين هؤلاء الشعراء، والواقع أن هذا الموضوع كان مثار مناقشات متصلة عند نحاة العصر العباسي (البيهقي: المحاسن، ص 457). فلو لم يكن الأخطل نصرانياً هاجم الإسلام في أشعاره، لأجمع هؤلاء النجاة على تفضيله، وأسلوب الأخطل جزل رصين يذكرنا بالشعر الجاهلي. وشعره في الهجاء والخمريات لا يضارعه فيه أحد. أما في المدح فقد سمت به شاعريته إلى مرتبة لم يبلغها أصرابه الذين أسفوا في المدح. ونجد في هذا التغلبي أخلاق رجل البلاط مع أن نظرته للحياة كانت نظرة البدوي الذي يؤثر الظعن على الإقامة في دمشق (الديوان، ص 121، س6) ونعتقد أن ندرة ما في أشعاره من الفحش الذي انغمس فيه أضرابه تفصح عن نصرانيته أكثر مما يفصح عنها حديثه. ولهذا استطاع الأخطل أن يقول كما قال نصيب (الأغاني، جـ1، ص 145) إن الفتاة العذراء لا تتحرج من قراءة ديوانه. ويمكننا أن نأخذ عليه كما نأخذ على الشماخ والحطيئة (الأغاني، جـ8، ص 102) التكلف الظاهر في بعض قصائده وجمودها والتواءها: فلم يكن الأخطل شاعراً مطبوعاً، بل لم يحرص على أن يكون كذلك. وتعتبر قصيدته في مدح الأمويين درة أشعاره (الديوان، ص 98-112) نجد فيها ذلك البيت الذي مجد فيه حلم خلفائهم:
شمسُ العداوة حتى يُستقَاد لهم
وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا
(الديوان، ص 104، س 8). وإذا كان الأخطل قد قلد القدماء وانتهب أشعارهم، فإنه لم ينتهبها بتلك الصفاقة التي عرفت عن الفرزدق. ويتغني في جزء من ديوانه (الديوان، ص 106، 129، 133، 135، 268-269: ديوانه المطبوع عام 1905، ص 167-169؛ وانظر أيضاً أشعار القطامي ص2، 8، 9، 10، 13) بحروب قبيلته مع بني قيس الذين ناصروهم على كلب بادىء الأمر. واشترك الأخطل في هذه الحروب وفقد فيها ابنه، ويؤكد لنا أنه أظهر في تلك الحروب شجاعة نادرة (الديوان، ص 27) وكم في هذا الفخر من مبالغة! فلم يكن الأخطل من رجال الحرب، فقد فر من النزال يوم البشر وكان هو مثيره بإقذاعه في الهجاء (القطامي، ص23، س40، 43). ولما تخلى عبد الملك ابن مروان عن حمايته أنشد:
فإن لا تغيرها قريش بملكها
يكن عن قريش مُستَماز ومَزحَلُ
(الديوان، ص11) وهو بيت ثوري لا يدانيه إلا البيت الذي أعلن فيه الأخطل أن عبد الله بن سعيد بن العاص التخلي الخامل الذكر أهل للإمارة، وكان هذا أخاً لرجل حاول خلع الخليفة عبد الملك. على أن جرأة الأخطل لم تفقده رضا الخليفة. ولم يظهر شاعر الوليد بن عبد الملك المسمى عدي ابن الرقاع (الأغاني، جـ8، ص179، 184) إعجابه بالأخطل. وكان هذا الخليفة قليل الحظ من العلم يناصر المسلمين علانية (الأغاني، جـ7، ص69، ص2). وقد احتكم بنو بكر وبنو تغلب إلى الأخطل وكانا في نزاع دائم (الديوان، طبعة 1905، ص 161 – 162)، فقال الأخطل كلمته في المسجد.
ولا بد أن الأخطل قد توفي في عهد الوليد بن عبد الملك، بينما يقول ابن عبد ربه (العقد الفريد، جـ1، ص 155، جـ3، ص 70) إن العمر قد امتد به إلى عهد عمر بن عبد العزيز، ولا شك أنه خدع في بأبيات (الديوان، ص 277-278) قيلت قبل ولاية عمر. وإذا صح لنا أن نجعل وفاته حوالي عام 640م فإن الأخطل يكون قد بلغ عامه السيعين وتكون حياته الشعرية قد دامت أربعين سنة تقريباً.. ولا يذكر شيء عن أحفاده.
-------------------