عشاق الله

تأملات في قصة حي بن يقظان

العم عبد العزيز
أعشق القصص، خاصة عندما تتضمن معاني عميقة. وقد فرغت للتو من قراءة إحدى هذه القصص الجميلة التي شدتني إليها كثيرا وهي قصة حي بن يقظان لابن طفيل. فالكاتب يخبرنا في هذه القصة عن سر ولادة طفل اسمه حي وكيف تخلت عنه والدته خوفا وعهدت به إلى العناية الإلهية التي حملته إلى إحدى الجزر النائية. هناك صادفته ظبية كانت تبحث عن خشفها الضائع فتعهدته بالرعاية وعاش في تلك الجزيرة مع حيوانات الغابة بعيدا عن عالم الناس.

عندما اشتد عوده تعلم التحكم في البيئة حوله والدفاع عن نفسه ضد حيوانات البرية مستخدما جلد النسر لباسا. لكن الظبية التي ربته مات للأسف فعرف لأول مرة معنى الموت. ثم بعد ذلك تعلم صناعة الأسلحة وركوب الخيل. وبدأ رحلة التأمل والتفكير في الأشياء التي صار يكتشفها حوله من صلبة وسائلة وغازية وكائنات حيوانية ونباتية ومعدنية.

ثم تعرف على الحرارة والبرودة، وعلى النار، وتغير الأشياء من حارة إلى باردة ومن باردة إلى حارة. ثم عندما بلغ الرشد، بدأ يتأمل محيط جزيرته على نطاق أوسع حتى حدود الماء، كما بدأ تأمل الأجرام السماوية الأبعد التي يشاهدها ليلا. ومن ثمة بدأ التفكير في اختلاف المحدود واللامحدود متأملا حركة الشمس والقمر والنجوم ملاحظا أن حركاتها دائرية وأن السماوات مترابطة.

وعندما اجتمعت صورة العالم في ذهنه بدأ يتفكر في مسألة الخلق.

فلما تبين له أنه كله كشخص واحد في الحقيقة، واتحدت عنده أجزاؤه الكثيرة بنوع من النظر الذي اتحدت عنده الأجسام التي في عالم الكون والفساد، تفكر في العالم بجملته: هل هوشيء حدث بعد أن لم يكن، وخرج إلى الوجود بعد العدم؟ أو هو أمر كان موجودًا فيما سلف ولم يسبقه العدم بوجه من الوجوه؟ فتشكك في ذلك ولم يترجَّح عنده أحد الحكمين على الآخر.

وذلك أنه كان إذا أزمع على اعتقاد القدم اعترضته عوارض كثيرة من استحالة وجود ما لا نهاية له، بمثل الذي استحال عنده به وجود جسم لا نهاية له. وكذلك أيضًا كان يرى أن هذا الوجود لا يخلو من الحوادث فهو لا يمكن تقدمه عليها وما لا يمكن أن يتقدم على الحوادث فهو أيضًا محدَث.

وقادته تأملاته إلى وجوب وجود خالق لهذا الكون، وأن هذا الخالق فاعل بدون جسم، قادر على كل شيء.

فإذن لا بد للعالم من فاعل ليس بجسم، وإذا لم يكن جسمًا فليس إلى إدراكه لشيء من الحواس سبيل، لأن الحواس الخمس لا تُدرِك إلا الأجسام... وإذا كان فاعلًا للعالم فهو لا محالة قادر عليه وعالم به، ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.

وفي خضم إعجاب حي بعمل الخالق لاحظ في تأمله للخليقة أنها دل على الخالق وتشير إليه. وهذا ما جعله يتأمل الحواس: السمع والبصر والشم والذوق واللمس ويلاحظ أنها مرتبطة بالجسد المحدود وان الخالق مختلف عن ذلك. لذلك وجب أن يكون الخالق لانهائيًا غير محدود.

ثم إنه مهما نظر شيئًا من الموجودات له حسن، أو بهاء، أو كمال، أو قوة، أو فضيلة من الفضائل — أيَّ فضيلة كانت — تفكَّر وعلم أنها من فيضذلك الفاعل المختار — جل جلاله — ومن جوده ومن فعله، فعلم أن الذي هو في ذاته أعظم منها وأكمل وأتمَّ وأحسن وأبهى وأجمل وأدوم، وأنه لا نسبة لهذه إلى تلك. فما زال يتتبع صفات الكمال كلها فيراها له وصادرة عنه ويرى أنه أحق بها من كل ما يوصف بها دونه.

لقد كان الأمر بمثابة رحلة إلى السماوات العلى بالنسبة لحي، لكن على مستوى عالم المادة والزمن، لم يمض وقت طويل حتى وصل الجزيرة إنسان آخر يُدعى أسال. وهو الذي علم حيَّ الكلام، لكن الإثنان أدركا في خضم تواصلهما أهمية التامل والنظر في معنى الحياة والكون.

تنتهي القصة بإنقاد حي وأسال من الجزيرة وعودتهما إلى الحضارة. وقد تتساءلون عن موقف الآخرين منهما هما اللذان عرفا الكثير عن الكون والخالق. لن أخبركم بذلك... لكن ها هو رابط الكتاب إذا أحببتم أن تقرأوا القصة بانفسكم وتستمتعوا بها.


تحميل كتاب حي بن يقظان مجانا

https://www.hindawi.org/books/90463596