في الانفصال والصلة
كان الحجْر الناجم عن الكوفيد 19صعبًا علي، صعبا للغاية أحيانا. وقد جعلني ذلك أفكر في وضعية المساجين المعزولين عن العالم أحيانًا لسنوات متتالية! لقد مرت علي أوقات شعرت فيها بالاكتئاب الشديد.
كنا معزولين داخل منازلنا، فاقدين الصلة بالأصدقاء والعائلة. ولا أعتقد أن أحدا منا أحب ذلك. فالعلاقات الإنسانية مهمة سواء تعلقت بأفراد العائلة أو الأصدقاء. نحن نعيش وسط مجتمع نستمتع بالعيش فيه، لكن عندما يؤخذ ذلك نتألم وتصبح الحياة صعبة.
إننا مجبرون على التعامل مع بعض الناس... ومن هؤلاء أفراد الأسرة والعائلة. وقد يكون الأمر في بعض الأحيان سهلاً، لكنه أحيانًا يكون صعبًا جدا عندما يفعل بعض هؤلاء أشياء تضر بنا. أعرف إخوة لم يكلموا بعضهم البعض منذ سنوات بسبب أمر فعلوه! الأمر نفسه يحدث بين الأصدقاء. أحيانًا نتوقف عن رؤية بعض الأشخاص بسبب ما فعلوه. أذكر صديقا لي منذ سنوات عديدة كان علي التوقف عن رؤيته رغم ان الأمر كان مؤلما جدا.
إن العلاقات الإنسانية هي مرآة علاقتنا مع الله وعلاقته هو أيضا معنا. والعلاقتان شبيهتان ومختلفتان للغاية في نفس الآن. ذلك أننا شبه الله وفي نفس الوقت مختلفون عنه تمامًا.
يؤكد القرآن في سورة فاطر (السورة 42) أن الله "ليس كمثله شيء" ولكن الحديث يقول أن "الله خلق آدم على صورته أو هيئته". وهذا قد يبدو تناقضا، لكن الأمر ليس كذلك.
ويقول الكتاب المقدس أيضًا في سفر التكوين: "وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ. فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ." (سفر التكوين 1: 26- 28)
فماذا يعني أن نكون على صورة الله؟ عمق المعنى هنا هو فهم أن الله يتواصل معنا بشكل شخصي. فهو تعالى لا يحبنا فحسب، بل يتوق إلى بناء صلة معنا. يتوق للاستماع لنا والتحدث معنا.
لذا، إذا كان أمر انفصالنا عن أصدقائنا وعائلاتنا بسبب الكوفيد 19صعبا ومؤلما، تخيل معي شعور الله تعالى في انفصالنا عنه وقطع صلتنا به. لكن دعونا نفكر في تعنيه مسألة أن نكون في صلة وصحبة مع الله. نقرأ في سورة النساء (السورة 4 آية 125) من القرآن الكريم: "وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً".
نحن أبناء إبراهيم السائرون على أثر خطواته. ذلك أننا كما نسعى إلى بناء صلة حميمة مع الله تعالى فهو أيضا يسعى إلى بناء ذات الصلة. ولهذا الغرض جاء السيد المسيح – ليعطينا مثالا على طريقة بناء تلك الصلة. نحن نستمع إلى روحه القدس يهمس في قلوبنا ويخبرنا عن طريق الله. والأسماء أو النعوت أو الهويات التي ندعو بها أنفسنا هي أقل أهمية من الإصغاء إلى ذلك الصوت الذي يخبرنا بعمل الله اليوم. وهو عمل قد يفاجئنا... كما قد يتحدنا أيضا، يتحدانا أن نحب أعدائنا مثل أصدقائنا!
لذا نحتفل اليوم في موسم الصلة هذا بعلاقتنا بالله وبشعوبه على مر العصور.