الشجاعة الحقيقية؟
يسيطر اليوم على العالم شبح الخوف من فيروس كورونا ... فنحن نرى أن دول سوريا وليبيا واليمن تعاني الخوف من الحرب... ويعاني لبنان الخوف بسبب الأزمة السياسية لامتناع البنوك على صرف الأموال ... إذن نحن بحاجة إلى الشجاعة لمواجهة مثل هذه الصعوبات. جميعنا نسعى كل يوم وراء المزيد من الشجاعة للبقاء على قيد الحياة.
لكن ماذا لو لم نتوفر على القدر الذي نحتاجه من الشجاعة؟ في الحقيقة، يتعين علينا في كثير من الأحيان مواجهة الصعوبات سواء كانت لدينا الشجاعة لذلك أم لا! هل لدى الجندي وسط ميدان الحرب خيار في المواجهة أو عدمها، أم أن عليه أن يقاتل بغض النظر عما إذا كان لديه الشجاعة المطلوبة أم لا؟ الشجاعة الحقيقية لا تكمن في مواجهة صعوبة لا يمكن تجنبها، ولكن تكمن في مواجهة صعوبة بإمكاننا تجنبها ولكننا نختار مع ذلك المواجهة. الممرضات والممرضون والأطباء الذين يتعاطون مع ضحايا كورونا الذين يمكن في أية لحظة أن يصابوا بالعدوى منهم. هذه هي الشجاعة. عندما يكون سهلا الكذب، ولكننا نواجه الحقيقة. هذه هي الشجاعة. في كل مرة نواجه فيها الأشياء التي ينبغي القيام بها، مع أننا يمكننا تجنبها في سبيل حياة سهلة، نحن حقًا شجعان.
الشجاعة الحقيقية تكون أو لا تكون عندما يكون لدينا اختيار. ولنا عبرة في النبي إلياس (إيليا) . فقد كان شعب الله يعبد الإله الحق وفي نفس الوقت يتقرب بالعبادة إلى آلهة الشعوب المحيطة بهم. لقد قاموا بدمج الاثنين معًا في ممارسات لم تكن من العبادة الحقيقية في شيء. لهذا خاطب إلياس شعب الله قائلا: أمامكم الخيار. إما عبادة الإله الحق الواحد أو عبادة الآلهة الكاذبة؟ لا يمكنكم عبادة الاثنين معا. في ذلك الوقت، كان معظم القادة الدينيين المخلصين لعبادة الإله الحق الواحد قد قتلوا أو اختبأوا خوفا على حياتهم. لذلك كان على نبي الله إلياس أن يتحلى بالشجاعة لقول ذلك. الشجاعة الحقيقية.
هكذا تحدى إلياس الأنبياء الكذبة. فقد كان هناك 450 نبيا كاذبا بينما كان هو وحده في مواجهتهم. كانوا يتقربون لإله الرعد والبرق فتحداهم إلياس أن يجعلوا إلههم يرسل نارا من السماء على المحرقة. لكنهم رغم محاولاتهم لم يستطيعوا مع أنهم جلدوا أنفسهم وجرحوا أطرافهم لجعل إلههم الزائف يستجيب. لم يحدث شيء البتة. لكن إلياس نبي الله الحق هيأ ذبيحته ووضعها على مذبح الحجر. ثم صب الماء فوقها. وزاد الماء حتى ابتلَّت جدا. ثم سأل الله أن يشعل النار على المذبح المبلل. لم يكن هذا لإثبات أنه كان محقًا، بل لإظهار أن الله هو الإله الحق والناس عباده الأوّابون إليه. وفعلا استجاب الله لصلاة إلياس وأرسل نارا من السماء أحرقت الذبيحة والمذبح وكل شيء. كان إلياس محتاجا للشجاعة، لكن الله أجاب.
كان السيد المسيح محتاجا أيضا للشجاعة. فقد ذكر الأنبياء عليهم السلام أن على المسيح أن يموت ذبيحة تكَفّرعن معاصي البشر. لذلك كان هو أيضا لديه خيار. هل يمشي في الطريق الصعب، طريق الموت، موته من أجلنا أم يخلص نفسه؟ لكنه اختار طريق الشجاعة.
عندما ندعو أنفسنا أتباعا للسيد المسيح، علينا أن نفهم أننا بذلك نتبع خطى السيد المسيح على طريق الشجاعة. وهو الطريق الصعب. لكننا نعرف أيضًا أن الله بعثه حيا بعد ثلاثة أيام من موته، لذلك نبتع الإله الحق. وكما فعل مع إلياس استجاب الله، لا لإثبات أن أحدا محقا، بل لإثبات أنه هو الإله الحق.
أيها الإخوة والأخوات لنتحلّ بمثل هذه الشجاعة.