عشاق الله

لعبة الشطرنج

نحن اليوم على بعد أقل من شهر من بطولة الملك سلمان العالمية للشطرنج السريع في موسكو. أيضا يتم كل سنة تنظيم بطولة الشطرنج العربية السنوية التي ينظمها اتحاد الشطرنج العربي الذي يضم عضوية 18 دولة. وقد فاز بالبطولة في السنة الماضية كل من سالم عبد الرحمن محمد صالح البالغ من العمر 26 عامًا وشاهندا وفاء البالغة من العمر 21 عامًا.
الشطرنج معركة يحكمها المنطق بين مجموعة من اللاعبين. إنها لعبة لا تنتهي أبدا بالتعادل، لأن دائماً هناك طرف يجب أن يفوز – لعبة يفوز فيها إما الطرف الأبيض أو الأسود -. لذلك من السهل النظر إلى التاريخ على أنه لعبة شطرنج، معركة بين الخير والشر، بين الله والشيطان. كما أننا دائما نعتقد أن اللعبة ستنتهي بفوز الله وانتصار الخير على الشر، وأننا في هذه اللعبة بيادق وقلاع وأساقفة وملوك وملكات. إنها لعبة الشطرنج الهائلة بين الله والشيطان.
كذلك نتمنى دائمًا أن نكون ضمن الفريق الفائز وأن ينتهي بنا الأمر في الجنة، ولا تتم التضحية بنا كبيادق لتمكين الله من الفوز باللعبة. لكن إذا كان الله يلعب هذه اللعبة معنا ويعتبرنا مجرد قطع على رقعة شطرنج فيمكن إذن اعتبار كل شيء محدد سلفا من طرف الخالق ولا سيطرة لنا على أي شيء ... إنه هو الذي يقرر ما نأكله، وما نلبسه، وأيضا يقرر شعورنا بالفرح أو الحزن...
والحق أن الأمر ليس لعبة، ولا البشر مجرد قطع على رقعة شطرنج، بحيث يعني إقصاؤهم الأذى أو الموت.فإذا كانت الحياة لعبة محددة النتيجة سلفًا، فإن الضرر الذي يلحق عند الإقصاء حتى باللاعبين الموجودين على الجانب الرابح سيكون قاسيًا للغاية!
فهل التاريخ أكثر من مجرد لعبة؟ منذ حوالي 5000 عام، كانت هناك مدن على الطرف الشرير، مغضوب عليها من الله، وقد قرر تعالى، ليس فقط إقصاءها كقطع شطرنج على رقعة بل تدميرها بالكامل.
وقد حاول نبي الله إبراهيم، شفقة منه، التوسط لحساب الصالحين في هذه المدن الشريرة. فجادل الله تعالى طالبا منه عدم تدمير تلك المدن إذا كان بها فقط 10 أشخاص صالحين، نزولا في جداله مع الله من خمسين شخصا. وتمضي القصة قائلة إنه لم يوجد هناك حتى 10 أشخاص صالحين. لذلك حق عليهم الدمار، على الرغم من أن لوط قريب إبراهيم وعائلته نجوا، باستثناء زوجة لوط التي هلكت.
قبل ذلك كان الله وعد أن يبارك جميع الأمم على الأرض من خلال إبراهيم. فهل هذا الوعد بالبركة يوحي بفكرة لعبة قطع شطرنج وكراكيز. علاوة على ذلك نعرف أن النبي إشعياء وصف إبراهيم بأنه "خليل الله". على أن عبارة "خليل الله" لن تقتصر فقط على الأنبياء، بل ستشمل الجميع لأن سيدنا عيسى أعلن "لَسْتُ أَدْعُوكُم بَعْدُ عَبِيدًا، لأَنَّ العَبْدَ لا يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، بَلْ دَعَوْتُكُم أَحِبَّاءَ، لأَنِّي أَعْلَمْتُكُم بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبي.."
ماذا يحدث بعد انتهاء اللعبة؟
مع ذلك، تثير فكرة لعبة الشطرنج سؤالاً أكبر: "ماذا يحدث بعد انتهاء اللعبة؟" هل يدخل البعض الجنة بينما يخلد الآخرون في النار؟ وماذا تعني الجنة؟
سوف نجد الجواب إذا عدنا لأبراهيم. لقد وعد الله إبراهيم أن يبارك جميع الأمم من خلاله. ولأن الله تعالى اعتبر إبراهيم خليلا له فهو يدلنا بذلك على الرسالة التي أراد نشرها بين البشر – علاقة القرب معه كأحباء له! لذلك نرى أن نهاية اللعبة في الأخير تدور حول علاقة قرب أبدية في رحاب محبة الله، وأيضا تقاسم الطعام والمحبة مع الآخرين ممن دخلوا في نفس علاقة القرب معه تعالى.
أما فكرة المعركة (الصراع / الجهاد) بين الخير والشر، بين الله والشيطان فهي موجودة منذ بداية الزمن. لكن رؤية التاريخ أو الحياة على أنها لعبة شطرنج كبرى هي إساءة فهم لشخص الله وللتاريخ بشكل كامل وخطير. فالفكرة كاستعارة تبسط الأمور إلى الحد الذي يجعلها فكرة مبتذلة ومؤذية جدا للذين يعانون. إنها تحكي فقط جزءا من القصة.
لكن سيكون أفضل لنا رؤية الأمر على أنه سيمفونية يقودها الله تعالى بحثًا عن الانسجام بين مكونات الأوركسترا، ثم النظر إلى أنفسنا كعازفين داخل هذه الأوركسترا، أي كأحباء لله.