عشاق الله

الغفران: متى و كيف؟

في أواخر القرن العشرين، انتقلت عائلة مسلمة من بنغلاديش إلى المملكة المتحدة. عاشت العائلة في بيثنال غرين في لندن على بعد ٥ أميال من مجلسي البرلمان. وهناك ولدت ابنتهما الأولى رينو ثم بعد ذلك في نهاية القرن الماضي، ولدت لهما ابنة أخرى سمياها شاميما مما تطابق مع اسم عائلتهم الذي هو البيجوم ومعناه «امرأة من الطبقة العالية».

وفي أوائل العام ٢٠١٥، سرقت شاميما جواز سفر وغادرت البلاد مع اثنتين من صديقاتها إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها داعش في سوريا. وقالت إنها ألهمت بالانضمام إلى داعش بفضل مقاطع فيديو لمقاتلين قطعوا رؤوس الرهائن، وأيضًا بفضل "الحياة الجيدة" الموعودة في أحضان الجماعة. هناك تزوجت شاميما من مسلم هولندي وأنجبت ثلاث بنات متن للأسف جميعهن. على أن المسلمين المعتدلين المحبين للسلام لا علاقة لهم بداعش.

بعد ذلك عاد واد شاميما إلى بنغلاديش حيث صرح قائلا «إذا اعترفت شاميما على الأقل بأنها قد ارتكبت خطأً، فسأشعر أنا والآخرين بالأسف تجاهها، لكنها لا تعترف بخطئها». ثم بعد مدة اعتذر وسأل الغفران نيابة عنها. «لقد ارتكبت خطأً، وأنا أبوها أعتذر للجميع، أعتذر للشعب البريطاني. وأنا آسف لما فعلته شاميما. أطلب من الشعب البريطاني أن يغفر لها».

والآن ماذا لو كانت شيماء ابنتي؟ أكنت أسامحها حتى لو رفضت الاعتراف بخطئها؟ ما هو الحد الفاصل بين الخطأ القابل للغفران والغير قابل له؟

كلنا خطاؤون. والله لا يزن الخير والشر ويقول «خيركم يفوق شركم». لا أحد منا خلو من العيب ولا أحد منا في المكان الذي يريده الله أن يكون فيه. «لأنّ كُلَّ النّاسِ يُخطِئونَ ولا يَبلُغونَ المَقامَ المَجيدَ الّذي أرادَهُ اللهُ لهُم». (رومية ٣: ٣٢) فهل نحن سنصلى جميعا نار جهنم، أو حسب مقدار الشر الذي قمنا به نذهب عبر إحدى البوابات السبع إلى الجزاء المستحق؟

يعلمنا والد شاميما أشياء عدة، أبرزها قوله «إذا اعترفت شاميما على الأقل بأنها ارتكبت خطأً فسأشعر بالأسف تجاهها». نعم، نحن جميعا بحاجة إلى الاعتراف بأخطائنا. هذه هي الخطوة الأولى. كما علمنا أيضا أمرا آخر هاما من خلال حمله على نفسه بعضا من العار حين قال «لقد ارتكبت شاميما خطأ… أنا آسف لما فعلته».

عندما نقرأ الانجيل نتعلم أن تلك الخطوات نفسها كانت نفس ما فعله الله كأب لنا. ويوحنا، أحد أول أتباع المسيح، عرضها بالشكل التالي: «أمّا إن اعتَرَفنا بِخَطايانا ، غَفَرَها اللهُ لنا». (١ يوحنا ١ :٩)

لهذا، إذا غفر الله لنا ،إذا اعترفنا بخطايانا وطلبنا مغفرة منه، كيف نتعامل مع أشخاص آخرين يخطئون في حقنا؟ يجيب سيدنا عيسى المسيح على هذا السؤال بالمثل التالي:

«فإنّ مَثَلَ التَّسامُحِ في مَملكةِ اللهِ كمَثَلِ مَلِكٍ أرادَ أن يُحاسِبَ رِجالَ حاشيتِهِ الّذينَ اقتَرَضوا مِنهُ مالاً. فجيءَ إليهِ بواحدٍ مَدين لهُ بمِليون قِطعةٍ مِن الفِضّة، ولم يَكُن يَملِكُ ما يُسَدِّدُ بِهِ الدَّينَ، فأمَرَ المَلِكُ ببَيعِ الرَّجُلِ وامرأتِهِ وأولادِهِ عَبيدًا، وكُلِّ ما يَملِكُ لسَدادِ الدَّين. إلاّ أنّ الرَّجُلَ ألقى بنَفسِهِ أمامَ المَلِكِ مُتَضَرِّعًا قائلاً: «أمهِلني عَلَّني أُسَدِّدُ ما عليّ مِن دَينٍ!» فأشفَقَ عليهِ المَلِكُ وسامَحَهُ بما لهُ عليهِ مِن دَينٍ، وأطلَقَ سَراحَهُ.

وعِندَما غادَرَ ذلكَ الرَّجُلُ المَكانَ، لقي زَميلاً لهُ مِن رِجالِ الحاشيةِ كانَ لهُ عليهِ دَينٌ بَسيطٌ بقيمةِ مِئة دِرهَمٍ، فأمسَكَ بِهِ وأخَذَ بِخِناقِهِ قائلاً: «ادفَع ما لي عليكَ مِن دَينٍ!»

فرَمى زَميلُهُ بنَفسِهِ عِندَ قدميهِ مُتَوَسِّلاً قائلاً: «أمهِلني عَلَّني أُسَدِّدُ ما عليّ مِن دَين!» إلاّ أنّ صاحِبَ الدَّينِ رَفَضَ تَوَسُّلَ الرَّجُلِ وألقاهُ في السِّجنِ لِسَدادِ الدَّينِ. ورأى الآخَرونَ مِن رِجالِ الحاشيةِ ما حَصَلَ فاستاؤوا كَثيرًا، وأخبَروا سَيِّدَهُم المَلِكَ بكُلِّ ما جَرى.

فنادى المَلِكُ على الرَّجُلِ قائلاً:«أيُّها الفاسِدُ، تَوَسَّلتَ إليّ فأسقَطتُ عَنكَ دُيونَكَ، ألم يَكُن الأجدَرُ بكَ أن تَرحَمَ زَميلَكَ كَما رَحَمتُكَ أنا؟!» وغَضِبَ المَلِكُ وسَلَّمَهُ إلى الجَلاّدينَ في السِّجنِ حتّى يَدفَعَ كُلَّ ما عليهِ مِن دَينٍ. وأقولُ لكُم هكذا يُعامِلُكُم اللهُ أبي الصَّمَدُ إن لم يَصفَح أحَدُكُم عن أخيهِ المؤمنِ مِن كُلِّ قَلبِهِ». (متّى ١٨: ٢١-٣٥)