عشاق الله

هل أنا ضحية؟

أتذكر حديثي منذ سنوات مع رجل أعمال زميل لي من الولايات المتحدة الأمريكية عن الأسلحة والسكاكين وغيرها من الأساليب الإجرامية التي يمكن أن نقتل بها في الشارع. ولأنه قادم من الولايات المتحدة الأمريكية فقد تحدث عن مدى فظاعة الوفيات التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، وكنت قلت له أن هناك ما هو أسوأ في البلد الذي أعيش فيه بسبب استخدام السكاكين بشكل كثيف وأشكال القتل الأخرى التي هي أكثر وحشية. كنا كلانا متفقين على سوء حال بلدينا.

واليوم أيضا فقط تحدثت مع زميلة لي عن الآثار السيئة للتلوث على صحتنا. فهي تعيش في بلد يعاني من تلوث فظيع للغاية، وقد كان هذا الشتاء خصوصا سيء على صحة أسرتها وأصدقائها.

وطوال العام الماضي، وجدت نفسي أعاني من عدد غير قليل من الأشياء التي من المحتمل أن تكون باعثة على التغيير. ويبدو أن العالم كان ضدي. إضافة إلى أني أميل إلى التصرف كضحية. فأحيانًا أشعر بالشلل وعدم القدرة على القيام بأشياء طبيعية يمكنني عادة القيام بها بسهولة، وذلك بسبب هذا الشعور القاتم بأن العالم ضدي. فمن السهل إلقاء اللوم على القدر. لأنه إذا كانت المسألة مسألة قدر، فلا يوجد شيء يمكنني فعله حيال ذلك، أي إذا كان الله قد قدر لي أن أعاني كل هذه الأمور السيئة، فينبغي لي قبول ذلك.

مثل هذه العقلية نسميها «عقلية الضحية». ومن السهل على أي منا السقوط فيها.

مع ذلك، عندما ينتابني شعور الضحية ، أذكر نفسي دائما بسيدنا إبراهيم وابن أخيه لوط. فقد عاش إبراهيم قريبا من مدينة شريرة للغاية تسمى سدوم، حيث كان يعيش ابن أخيه الصالح الذ كان أيضا ثريا. ولأن سدوم كانت مدينة شر بامتياز فقد قرر الله تعالى تدميرها. لكن بما أن أفراد عائلة إبراهيم كانوا يعيشون هناك، فقد حاول هذا الأخير التشفع لهم لدى الله قائلا: «أَفَتُهْلِكُ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ؟  عَسَى أَنْ يَكُونَ خَمْسُونَ بَارًّا فِي الْمَدِينَةِ. أَفَتُهْلِكُ الْمَكَانَ وَلاَ تَصْفَحُ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الْخَمْسِينَ بَارًّا الَّذِينَ فِيهِ؟  حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ، أَنْ تُمِيتَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ. حَاشَا لَكَ! أَدَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلًا؟»  فأجابه تعالى: «إِنْ وَجَدْتُ فِي سَدُومَ خَمْسِينَ بَارًّا فِي الْمَدِينَةِ، فَإِنِّي أَصْفَحُ عَنِ الْمَكَانِ كُلِّهِ مِنْ أَجْلِهِمْ».

ويواصل إبراهيم محاورته مع الله. وكانت محاورة أشبه تقريبا بعملية المساومة في سوق شعبي. ومن 50 بارا، نزل إبراهيم إلى 45 ، ثم 40 ، 30 ، 20 وأخيراً وافق الله تعالى أنه إن وجد 10 أشخاص صالحين في سدوم فهو لن يدمرها. لكنه أمر محزن طبعا كما نعرف أنه لم يكن هناك في تلك المدينة الشريرة ولا حتى 10 أشخاص صالحين، وهكذا تم تدمير المدينة عن آخرها. لكن الله نجى لوط. فقد أرسل تعالى الملائكة لتحذيره ومساعدته. مع ذلك فقد لوط خلال ذلك كل شيء بما في ذلك زوجته.

نرى هنا نموذجا للصلة القائمة بين الإنسان والله. فليس الإنسان مجرد عبد لله، بل نجد لدى الله تعالى هذه الرغبة في أن يبارك خليقته. لكن الشيطان هو الذي يرغب في نزول اللعنة. الله دائما رحيم. ودائما هو منبع كل خير!

فكيف تتم هذه الصلة بين الله وبيننا في الواقع؟ إبراهيم كما قلنا يعطينا نموذج ومثال ذلك. فقد رأينا كيف دخل إبراهيم في حوار معه تعالى. حاجج الله. وناشده. ولأن الله يرغب في إقامة هذه الصلة معنا، فقد استمع لإبراهيم وسايره في حواره. فكان بذلك حوارا ثنائي الاتجاه.

إن الحياة ليست سهلة أبدا. وقد تصبح في بعض الأحيان مرة للغاية. لكن في كل الأحوال علينا أن نتذكر أن الله موجود وأنه يرغب في أن يشملنا بمحبته الواسعة ... إنه مستعد أن يحاورنا ويشركنا في قراراته. فنحن لسنا أبدا ضحايا بل أبناء الله، وحياتنا إنما هي رحلة استكشاف لهذه الصلة العظيمة.