عشاق الله

الشيخ الأزهر و البابا في إطلاق وثيقة الأخوة

مريم منصور


شهد العالم في الأيام الأخيرة زيارة تاريخية للبابا فرنسيس رئيس الكنيسة الكاثوليكية ــ السائر على خطى القديس فرنسيس الأسيزي ــ إلى أبو ظبي عاصمة دولة الامارات المتحدة، و هي أول مرة يزور فيها حبر أعظم شبه الجزيرة العربية.

وجرت للبابا فرنسيس ــ لدى وصوله قصر الرئاسة في العاصمة أبوظبي ــ مراسم استقبال رسمية حيث رافق موكب الضيف ثلة من الفرسان على الخيول العربية الأصيلة في ساحة القصر وأطلقت المدفعية / 21 / طلقة تحية لضيف البلاد بعدها حلقت طائرات الفرسان في سماء قصر الرئاسة مشكلة علم الفاتيكان احتفاء بهذه الزيارة.

 

ورحب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في بداية اللقاء بضيف البلاد قداسة البابا فرنسيس ومن أبرز ما استعرض خلال هذا اللقاء، آفاق التعاون المشترك وجهود الجانبين في ترسيخ قيم التآخي والحوار والتعايش بين الشعوب التي تحث عليها جميع الأديان في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار والسلام لدول المنطقة والعالم.

 

تأتي هذه الزيارة أولا، في إطار اللقاء العالمي حول الأخوة الإنسانية الذي شهد إطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية وقد انطلقت من دولة الامارات تحديداً، لتشجيع هذه الدولة على الجهود المثالية التي تبذلها من أجل نشر التسامح والسلام والعيش المشترك.

 

 إطلاق وثيقة الأخوة هي خطوة تاريخية تهدف إلى نشر ثقافة السلام و احترام الغير بدلاً من ثقافة الكراهية والظلام والدم.

 

وقد نظم هذا اللقاء فضيلة الامام الأكبر للأزهر الدكتور أحمد الطيب، تجمعه صداقة شخصية مع البابا فرنسيس، حتى أنه بدأ كلمته الافتتاحية بالتعريف عنه «بأخي وصديقي العزيز»، وتوجه من خلالها إلى قادة العالَم وصُنَّاع السياسات  طالبا «التدخل الفوري لوضع نهايةٍ فورية لما يشهده العالم من حروب وصراعا». وناد «بالكفِّ عن استخدام اسم الله لتبرير أعمال القتل والتشريد والإرهاب والبطش».

 

وتوجه لإخوته «المسلمين في الشرق» قائلاً« لي كلمة أوجهها لإخوتي المسلمين في الشرق، وهي أن تستمروا في احتضان إخوتكم من المواطنين المسيحيين في كل مكان؛ فهم شركاؤنا في الوطن، وإخوتنا الذين يُذكِّرنا قرآننا الكريم بأنَّهم أقرب الناس مـودَّة إلينا».

 

وثانياً فهي تعزيز لمسيرة البابا فرنسيس على خطى القديس فرنسيس الأسيزي كمؤمن يتعطش للسلام، ويسعى لتعزيز السلام، إذ تأتي هذه الزيارة كالذكرة المئوية الثامنة للقاء بين القديس فرنسيس الأسيزي والسلطان الملك الكامل في عام 1219م، الذي اتسم بفن والتواصل والإصغاء، ومد خيوط السلام وشكل رمزاً للحوار الأوّل من نوعه في التاريخ.

 

فلا عجب أن البابا فرنسيس  إفتتح خطابه في حفل توقيع وثيقة السلام «بالسلام عليكم»، هذه العبارة نفسها التي استخدمها القديس فرنسيس عند لقاؤه السلطان فأعجب عندها هذا الأخير بشخصية القديس وبساطته وشجاعته فاستضافه بضعة أيام وقدّم له الهدايا.

 

أما ثالثا، فكانت هذه الزيارة علامة أبوة وتعزية لكل المغتربين الذين يعيشون في دولة الامارات المتحدة، كللها البابا فرنسيس باحتفاله بالقداس الإلهي في استاد مدينة زايد الرياضية حيث ألقى عظة بعد الانجيل المقدس لمتى «التطويبات» و هي، كما قال«ليست لائحة وصفات خارجية ينبغي القيام بها أو مجموعة عقائد علينا أن نعرفها. ليس الأمر هكذا؛ بل هي أن نعرف أننا، بيسوع، أبناء محبوبون من الآب».

 

وأشار الى ان «العيش كمن يستحق الطوبى لا يعني ان نكون مبتهجين على الدوام، وليس سهلا بالنسبة لكم ان تعيشوا بعيدين عن البيت. واستذكر القديس انطونيوس الكبير «الذي عاش في صحراء مصر وغاص في جهاد روحي متواصل وكان يتعرض لتجربة الحنين والتحسر على الحياة الماضية، لكن الرب طمأنه الى وجوده بقربه».

وأضاف «ان عيش التطويبات لا يتطلب اعمالا باهرة بل التشبه بيسوع في الحياة اليومية بالمحافظة على نقاوة القلب والعيش بوداعة وعيش الرحمة مع الجميع متحدين بالله، والحياة اليومية لا تحتاج الى اعاجيب واعمال خارقة بل الى مواجهة تحدياتها».

 

وتوقف البابا فرنسيس عند تطويبتين الاولى «طوبى للودعاء»، ذاكرا القديس فرنسيس «عندما أعطى تعليمات الى اخوته المتوجهين الى المسلمين وغير المسيحيين ناصحا اياهم بالابتعاد عن الشجار والخلاف، والتسلح بالإيمان والمحبة»، والتطويبة الثانية«طوبى للساعين الى السلام»، مشيرا الى أن «المسيحية تعزز السلام بدءا من الجماعة التي نعيش فيها».