عشاق الله

الذكرى السنوية لحدث مهم لعشاق الله

الأب ماكسيميليان كولبي، راهب فرنسيسكاني، ضحى بحياته في 14 أغسطس 1941 من أجل خلاص رجل، رب أسرة محكوم عليه بالموت. ولد ريمون كولبي في 8 يناير 1894 في بولندا، التي كانت حينها جزء من الإمبراطورية الروسية. وكان الابن الثاني للحائك يوليوس كولبي والقابلة ماريا دوبروفسكا. كان والده وأمه بولنديان. وكان لديه أربعة أشقاء. 

سنة 1906عندما كان عمر كولبي 12 عامًا، تأثرت حياته بشكل عميق عندما تجلت له السيدة مريم العذراء. وقد وصف فيما بعد ذلك الحادث كما يلي:

في تلك الليلة ، سألت السيدة مريم عما سيكون من أمري. فجاءت تحمل تاجين، أحدهما أبيض والآخر أحمر. وسألتني إن كنت مستعدا لقبول أحد التاجين. الأبيض ويعني المثابرة على الطهارة والنقاء أو الأحمر ومعناه الاستشهاد. قلت لها أنني أريدهما معا.

في عام 1907 التحق كولبي وشقيقه الأكبر فرانسيس بالكنيسة الفرنسيسكانية. وفي العام  1910، سمح له ولوج سلك الرهبنة حيث حصل على الاسم الديني ماكسيميليان. ثم أعلن أولى نذوره الرهبانية سنة 1911، ونذوره النهائية سنة 1914.

قام كولبي بسلسلة من المهام في شرق آسيا بين عامي 1930 و1933. فقد وصل أولاً إلى شنغهاي بالصين، لكنه فشل في جمع أتباع هناك. ثم منها انتقل إلى اليابان، حيث أسس بحلول عام 1931 ديرًا للفرنسيسكان، سماه موغنزاي نو سونو، على مشارف ناغازاكي، المدينة التي تم القضاء عليها لاحقًا بواسطة القنبلة الذرية.

في تلك الأثناء، وفي ظل غيابه، بدأ الدير في نييبوكالاناو Niepokalanów بنشر صحيفة يومية، اسمها "مالي تزيينيك" بتحالف مع مجموعة سياسية هي "أبوز نارودووو" حيث بلغ توزيعها 137000نسخة، وما يقرب من الضعف أي 225000 نسخة خلال نهاية الأسبوع.
بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، كان كولبي من الرهبان القلائل الذين لم يغادروا الدير، حيث قام بإنشاء مستشفى مؤقت هناك. لكن بعد أن تم الاستيلاء على البلدة من قبل الألمان، ألقي القبض عليه في 19 سبتمبر 1939، ثم أطلق سراحه في 8 ديسمبر. وقد رفض التوقيع على وثيقة دويتشه فولكسليست التي كانت ستعطيه حقوقًا مماثلة لحقوق المواطنين الألمان، في مقابل الاعتراف بأصوله العرقية الألمانية. 

عند إطلاق سراحه، واصل العمل في الدير، حيث كان يوفر هو وغيره من الرهبان الآخرين ملجأ للاجئين من بولندا الكبرى، بمن فيهم 2000 يهودي خبأهم من الألمان في دير نييبوكالاناو. وفي ذلك الوقت تلقى الإذن بمواصلة نشر الكتابات الدينية، على الرغم من الانخفاض الكبير في نطاقها. كما استمر الدير في الاشتغال كدار للنشر، حيث صدرت من هناك مجموعة من المنشورات الألمانية المعادية للنازية.

في 17 فبراير 1941، أغلقت السلطات الألمانية الدير. وفي نفس اليوم ألقت الجيستابو القبض على كولبي وأربعة آخرين، وتم اقتيادهم إلى سجن بواياك. وبعدها في 28 مايو ، تم نقله هو إلى أوشفيتز تحت الرقم 16670.

ولأن كولبي استمر في الاشتغال داخل السجن ككاهن، تعرض لعدة مضايقات اتسمت بالعنف، بما في ذلك الضرب والجلد. وقد تم ذات مرة تهريبه إلى مستشفى السجن من قبل سجناء ودودين. لكن في نهاية يوليو 1941 حدث أن فر أحد السجناء من المعسكر، مما دفع نائب قائد المعسكر إلى انتقاء عشرة أشخاص يتم وضعهم في مخبأ تحت الأرض لكي يتضوروا هناك جوعاً ويموتوا، وذلك لردع المزيد من محاولات الفرار. عندها صرخ أحد الأشخاص الذين تم انتقاؤهم، واسمه فرانسيسك غاجونيتشيك، قائلا "زوجتي! أولادي!" مما دفع كولبي لكي يتطوع للحلول محله.
وفقًا لشاهد عيان هو مساعد البواب في ذلك الوقت، كان كولبي يقود السجناء للصلاة داخل زنزانته بالسجن. وفي كل مرة يدخل الحراس للمراقبة كانوا يجدونه واقفا أو راكعا في منتصف الزنزانة، ناظرا بهدوء إليهم. 

هكذا بعد تجويع أولئك المساجين العشرة وحرمانهم من الماء لمدة أسبوعين هلكوا جميعا وبقي كولبي وحده على قيد الحياة. ولأن الحراس أرادوا إفراغ المخبأ أعطوا كولبي حقنة قاتلة من حمض الكاربوليك. يقال إن كولبي رفع ذراعه الأيسر وانتظر بهدوء أن يناولوه الحقنة القاتلة.

في 27 يناير 1945، حرر الجيشان الروسي والأوكراني معسكرات الاعتقال تلك. وقد تتابعت الشهادات على ما كان يحدث في تلك المعسكرات، منها شهادة جندي سوفياتي سنة 1980كان قد دخل إحدى المعسكرات غداة تحريرها واسمه جورجي إيسافيتسكي، فقد ذكر أنه رأى الجنود يخبرون السجناء قائلين: "أنتم أحرار، أيها الرفاق!" لكن السجناء لم يكونوا يستجيبون، لذلك حاول  الجنود مخاطبتهم بالروسية والبولندية والألمانية والأوكرانية. ثم أيضا استخدموا اليديشية دون جدوى. لقد كان السجناء يعتقدون أنها خدعة، ولذلك كانوا يهربون ويختبئون. فقط عندما قلت لهم: {لا تخافوا، أنا عقيد في الجيش السوفيتي وأنا أيضا يهودي. لقد جئنا لتحريركم} ... أخيراً ، كما لو أن حاجزا قد انهار ... هرعوا كلهم نحونا، وجثوا على ركبهم، مقبلين أردان معاطفنا، معانقين بأذرعهم أرجلنا".

كان الأب ماكسيميليان كولبي شخصًا عظيمًا كان يمكنه أن يحرر أيضًا في ذلك اليوم، لكنه اختارالموت في أوشفيتز فدية عن شخص آخر.