عشاق الله

لماذا أغفر لشخص أساء إلي في وقت من الأوقات؟

"سامحتك!" ماذا تعني هذه العبارة حقا؟ لقد أصابني أمر الغفران بحيرة كبيرة طوال الأشهر الستة الماضية. فقد اكتشفت أن شخصًا يستغلني رغم أني كنت أحسبه صديقا، وهو مدين لي بالكثير من المال. أنا في حالة غضب. في حالة غضب شديد منه. لقد بقي لسنوات يستغلني ولم أنتبه للأمر. صديق؟ لا، ليس بعد الآن.

أعرف أن الخداع والاستغلال من طرف شخص ما، قد يعني في ثقافة الشرق الأوسط أن ذلك الشخص أكثر ذكاء من الشخص المخدوع، وأنه استخدم ذكاءه لتحقيق مبتغاه، لكن الأمر يبقى رغم كل التبريرات سيئا، ويجعلنا الشخص المخدوع يشعر بغضب لا يطفئ أواره إلا الثأر والانتقام حتى تتعادل الكفّتان عملا بالقول "العين بالعين والسن بالسن".

لكن الانتقام لا يؤدي عادة إلا إلى المزيد من الانتقام في حلقة لا تنتهي، لذلك إما علينا التخطيط بعناية حتى لا يتمكن الآخرون من الوصول إلينا، أو أن سلسلة الانتقامات ستستمر من جيل إلى جيل.

قبل سنوات تعرضت للاتهام الباطل بكثير من الأمور. تألمت وغضبت. كنت أعرف كل ما علمنا إياه المسيح عن واجب الغفران وفضله، لكن الأمر كان أشد وطأة. اتهمني الجميع بكوني متعودا على الكذب. وتطاولوا بذلك على شرفي. ومما زاد الطين بلة أن الاتهامات كانت علنية، ومن ثمة ذات تأثير على عملي ومصادر رزقي.

كان أحد الأشخاص الثلاثة الذين اتهموني أسوأ من الآخرين. ونسيت الآن لماذا اعتبرته الأسوأ. لكن خلال عملية إثبات الاتهامات، تبين زيفها، فندم وتاب ذلك الشخص، إلا أن الاثنين الآخرين لم يفعلا. غير أن التوبة لا تعني التفوه بعبارة "آسف"، بل تعني تغيير ما كنت تقوم به. لذلك لم يكتف ذلك الشخص بتعبيره عن أسفه، بل كف عن اعتباري كاذبا.

لم يكن سهلا أن أغفر لذلك الشخص وأرد عليه بقولي "سامحتك"، على أن مسألة مسامحته كان أسهل علي من مسامحة الاثنين الآخرين اللذين كان لا يزالان يتهمانني ويخبران الناس باطلا أنني كاذب.

لكن ماذا عن الصديق الذي تحدثت عن استغلاله لي في بداية المقال ... هل ندم وتاب؟ لا، مطلقا. فهو لم يعبر عن ندمه وتوبته حتى هذه اللحظة. لكنني لن أنتقم منه.

كذلك بالنسبة لله تعالى، عندما نذنب ثم نتوب إليه، بمعنى أننا لا نكتفي بالتأسف فقط على ذنوبنا، بل نتحول عن فعل الإثم إلى فعل الخير، فإن الله يغفر لنا تلك الذنوب. فلا يمكننا الاستمرار في طريق الآثام والاكتفاء كل مرة بالتفوه بعبارات التأسف. هل الأمر بهذه السهولة؟ ... ربما ... يقول السيد المسيح: " فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ.. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَلاَتِكُمْ."(متى 6: 14-15) لكنه يقول أيضا:" اِحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَاغْفِرْ لَهُ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ، فَاغْفِرْ لَهُ"( لوقا 17: 3-4 )

طريق سيدنا المسيح ليس طريقا سهلا. إنه طريق صعب، لكنه الطريق الذي اخترت السير فيه.