عشاق الله

تأملات العم عبد العزيز

هل أنت حر؟ ماذا يعني كونك حرا؟

نسمع أن أكثر من ستة ملايين شخص من شمال أفريقيا يحاولون الوصول بطرق غير مشروعة إلى أوروبا. نصف هؤلاء سوف ينجحون في الوصول. وبطريقة ما سوف يشعرون بكونهم أحرارا لتحقيق ذلك. لكن معظمهم ستتم إعادتهم من حيث أتوا لأنهم ليسوا لاجئين حقيقيين.

الجميع يريدون أن يكونوا أحرارا. ولكن ما معنى الحرية؟ هل تعني أن لا أكون عبدا لأحد؟ إن هذه الحرية تعني إمكانية حصولي على الفرص التي كنت أرغب فيها. هذا بالذات ما يدفع الناس للمخاطرة بحياتهم للوصول إلى أوروبا. وهذا الأمر أسميه التحرر من شيء ما. وهو النوع السلبي من التحرر.

لكن هناك أيضا مفهوم إيجابي للحرية. حرية لأفعل شيئا ما ... أنا سيد نفسي وباستطاعتي أن أفعل ما أحب. لكن الحرية الإيجابية لا تحصل إلا عندما تكون هناك حرية سلبية. وعندما تحصل تأتي معها بمسؤوليات. فقد أكون حرا لمخاطبة الآخرين بقلة أدب،  لكنني أيضا حر في توجيه حياتي الوجهة التي أريد، فأتصرف بطريقة إيجابية.

لا أعرف إن كنتم لاحظتم مثلي أمرا أثناء السفر. فقد التقيت أشخاصا في الغرب يلبسون سوار عليه الحروف WWJD. وقد سألتهم عن معنى تلك الحروف، فقالوا أن ذلك يعني "?What would Jesus do" (بالعربية "ماذا كان سيدنا عيسى سيفعل؟") وأضافوا أن ذلك يساعدهم في التفكير عندما يحتاجون إلى اتخاذ قرار ... هذا الأمر جعلني أفكر. فأنا لن أضع سوارا من هذا القبيل لأن فكري ليس "ماذا كان سيدنا عيسى سيفعل؟" بل "ماذا فعل سيدنا عيسى؟"

عندما أفكر في سيدنا عيسى المسيح أذكر دائما كم كان متواضعا. كان عكس معظم القادة الذين نراهم اليوم حولنا. فذات وجبة طعام مع أتباعه تناول وعاء فيه ماء وبدأ يغسل أقدامهم. إن الكثير مما فعله كان موجها لخدمة الآخرين. لهذا أطرح كل يوم على نفسي السؤال التالي: " كيف يمكنني أن أكون اليوم بركة للآخرين؟"

كيف يمكنني أن أكون اليوم بركة للآخرين؟ وهو فكر يختلف عما يفكر به معظم الناس اليوم حين يريدون الحصول على البركة بدل منح الآخرين البركة. ومعنى ذلك القدرة على التخلي عن أشياء لأجل الآخرين. إننا في ذلك نسير على خطى سيدنا إبراهيم الذي أخبره الله أن نسله سيكون بعدد النجوم في السماء، لكنه في ذات الوقت أيضا أمره أن يكون بركة للعالم كله.

كوننا بركة للآخرين هو تعبير على محبتنا وتقديرنا لله تعالى، وهو عين العبادة الحقيقية. بهذا الشكل أمارس حريتي الإيجابية.

قال إشعياء النبي " "رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ  "

بعد 800 سنة قرأ السيد المسيح هذه الكلمات، وأعطاها معناها الحقيقي. ماذا فعل سيدنا عيسى؟ لقد أعلن الحرية: الحرية من شيء ما والحرية لأجل شيء ما. لذلك إذا أردنا السير على خطاه نحن أيضا علينا العمل على تحقيق الحرية. لأن النور يبدد الظلمة..