عشاق الله

الـفـهـم

ما أجمل وأعمق أقوال الرسول بولس وصلواته كتلك التي جاءت في رسالته إلى أهل أفاسوس: " وأسألُ اللهَ الأبَ المَجيدَ، رَبَّ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، أن يَجعَلَكُم بِرُوحِهِ على الحِكمةِ والهُدى، لِتَعرِفوهُ حَقَّ المَعرِفةِ، وأسألُهُ أن يُنيرَ بَصائرَكُم لِكَي تُدرِكوا اليَقينَ الّذي مَنَحَهُ لِكُلِّ الّذينَ استَجابوا لدَعوَتِهِ، وهُم إِرثُهُ الغالي المَجيدُ، عِبادُهُ الصّالِحونَ" (رسالة أفاسوس1: 17-18). هكذا هو عمل روح الفهم والمعرفة. فهو يساعدنا على فهم الرجاء الذي دعانا الله إليه وسبر غنى ميراثه المجيد بداخلنا. في نفس الرسالة صلى بولس أيضا قائلا " وأن يَكونَ بِاستِطاعَتِكُم أن تَكتَسِبوا مَعَ كُلِّ المؤمنينَ، القُوّةَ الحَقيقيّةَ في كُلِّ أبعادِها مِن عَرضٍ وطُولٍ وعُلوٍّ وعُمقٍ، حَتّى تُعاينوا قُوّةَ اللهِ الخارِقَةَ، وأن تَختَبِروا مَحبّةَ السَّيِّدِ المَسيحِ، الّتي تَفوقُ إدراكَ المُدرِكينَ، فيَعُمَّكُم فَيضُ اللهِ العَميمُ" (رسالة أفاسوس 3: 18-19). هذه الصلاة التي صلاها بولس من أجل المؤمنين في أفاسوس لكي يعرفوا معنى عرض وطول وعمق وعلو محبة سيدنا عيسى المسيح كانت ضرورية لأنهم لم  يكونوا بعد قد فهموا عمق وقوة محبة المسيح. فالفهم والمعرفة لم يكونا قد ظهرا بعد فيهم.

نعرف أن هناك حولنا من يملكون مواهب الروح بشكل كبير وظاهر، لكنهم مع ذلك ينقصهم الفهم العميق لكلمة الله. ولهذا فهم في حاجة إلى الصلاة ليمتلئوا بروح الفهم فيعرفوا كما ينبغي قوة محبة سيدنا عيسى المسيح. فقد تأتينا مسحة الروح في أوقات مختلفة وبطرق مختلفة أيضا، ولكن ما الجدوى إذا لم نفهم الهدف من تلك المسحة. وبالمقابل يمكن القول أن أي شخص يستطيع القراءة والكتابة بإمكانه أن يدرس الكتاب المقدس، لكنه لن يستطيع فهم كلمة الله والحصول على إعلانات الروح إلا عندما يكون ممسوحاً. 

نقرأ في إنجيل يوحنا: " ثم حَدَّثَهُم قائلاً: 'السَّلامُ عليكُم. كَما أرسَلَني اللهُ الأبُ الرَّحمنُ إلى النَّاسِ، أجعَلَكُم أنا أيضًا إلى النّاس مِن المُرسَلينَ'. ثُمَّ نَفَخَ فيهِم قائلاً: 'اِقبَلوا رُوحَ اللهِ. ها أنا ذا أُعطِيكُم سُلطانًا في نَشرِكُم لرسالةِ اللهِ'" (يو20: 21-22).

وهذه الآية توضح لنا آية الفهم التي ما جاءت في الفصل 24 من إنجيل لوقا: "ثُمّ بَثَّ في أذهانِهِم نورًا شارِحًا مُفَسِّرًا ما جاءَ في الكُتُبِ السَّماويّةِ" إذ عندما نضع  الآيتين معا (يوحنا 20: 22 و لوقا 24: 45) نرى الصورة كاملة. ونرى أنه عندما نفخ يسوع في تلاميذه وقال لهم "إقبلوا الروح القدس" إنما كان أعطاهم في الواقع روح الفهم.