عشاق الله

الوداعة

الوداعة هي الثمرة التاسعة من ثمر الروح وهي صفة تتجلى في تصرفات الإنسان بشكل يومي. والوداعة تعني الخضوع لله وطاعة رسالته والاتضاع له. وتتضمن صفات أخرى كالعفو عند المقدرة والغفران والتسامح والاستعداد للتعلُّم والغيرة على كلمة الله والغضب على الخطيئة لا الخاطئ. وهي من أعظم ثمار الروح، لأن سيدنا عيسى وصف نفسه بالوديع في قوله: "تَعالَوا واستَبدِلوا أثقالَكُم بخُضوعِكُم لتَعاليمي وهي خَفيفةٌ عليكُم. نعم، تَعَلَّموا مِنّي لأنّي لَطيفٌ بِكُم مُتَواضِعُ القَلبِ بَينَكُم، وستَجِدونَ الرّاحةَ لنُفوسِكُم" (إنجيل متى 11: 29). ووصفه بولس الرسول بها في قوله: "ولكنّي أنا بولُسَ أدعوكُم بسَماحَةِ السّيِّدِ المَسيحِ ولُطفِهِ أن تَرفُضوا هذه المَزاعِمَ." (كورنثوس الثانية 10: 1).كما ارتبطت  الوداعة بالمحبة في الرسالة  الأولى إلى أهل كورنثوس 4: 21، وبالتواضع في الرسالة إلى أهل أفاسوس 4: 2.

وقد حث سيدنا عيسى المؤمنين على التحلي بهذه الصفة العظيمة في قوله الكريم: "هَنيئًا للوُدَعاء مِن النَّاسِ، لأنّهُم وَرَثةُ الأرضِ." (إنجيل متى 5: 5) وكذلك الرسول بولس في قوله:" ألا إنّكُم أنتُم الّذينَ اختارَهُم اللهُ، ونَذَرَهُم وأحَبَّهُم، * فتَحَلّوا بِهذِهِ الأخلاقِ: بالحَنانِ واللُّطْفِ والتَّواضُعِ والوَداعةِ والصَّبرِ" (كولوسي 3: 12). كما حث الرسول بولس أيضا الشباب على التحلي بها وذلك في رسالته إلى تلميذه الشاب تيموثاوي ": أمّا أنتَ يا تيموتاوي فإنّكَ رَجُلُ اللهِ، فابتَعِدْ عن هذا كُلِّهِ. واسَع إلى مَرضاتِهِ تَعالى والتَّقوى والإيمانِ والمَحَبّةِ والصَّبرِ واللّينِ." (تيموثاوي الأولى 6: 11). ونفس الشيء فعله بطرس (صخر) مع النساء حين حثهن بالتحلي بالوداعة في قوله "إنّ الجَمالَ أيّتُها الأخَواتُ، يَكمُنُ في أعماقِ قُلوبِكُنّ وهو بَهاءٌ خالِدٌ في نُفوسٍ وَديعةٍ مُطمَئنةٍ"  (رسالة صخر الأولى 3: 4 )

وللوداعة ثلاثة وجوه:

الخضوع للروح القدس

فالوديع هو الشخص الذي يخضع للروح القدس ومشيئة الله بفرح، وفيه يقول سيدنا عيسى:« «الحقَّ أقولُ لكُم: لا يَبتَدِعُ الابنُ الرُّوحيُّ للهِ شَيئًا مِن تِلقاءِ نَفسِهِ، وإنّما مَثلُهُ كمَثَلِ الوَلَد الّذي يُحاكي أباهُ في عَمَلِهِ، فأنا أيضًا أُحاكي ما يَقومُ بِهِ اللهُ أبي الصَّمَدُ مِن أعمالٍ.» (إنجيل يوحنا 5: 19).

انفتاح القلب للتعلم

وفي شخص السيد المسيح خير مثال على هذا الانفتاح، حيث نعلم أنه أقبل على التعلم وهو في الثانية عشرة من عمره، حيث كان قد وجده أبواه "حَرَمِ بَيتِ اللهِ، جالِسًا بَينَ عُلَماءِ التَّوراةِ، مُصغيًا لِما يَتَحَدِّثونَ فيهِ، طارِحًا عليهِم مَزيدًا مِن الأسئلةِ مُحاجًّا إيّاهُم بحِكمةٍ وفَهمٍ عَميقَيْنِ" (إنجيل لوقا 2: 46). ونرى انفتاحه أيضا في أسئلته للمعلمين المندهشين من سرعة فهمه وتعطشه للمعرفة.

الغضب المشروع

نقرأ في كتاب الأمثال «اَلْجَوَابُ ٱللَّيِّنُ يَصْرِفُ ٱلْغَضَبَ» (كتاب الأمثال 1: 15 ) ونقرأ أيضا: «بِبُطْءِ ٱلْغَضَبِ يُقْنَعُ ٱلرَّئِيسُ، وَٱللِّسَانُ ٱللَّيِّنُ يَكْسِرُ ٱلْعَظْمَ» (كتاب الأمثال 25: 15). كما ينصح الرسول المؤمنين قائلا: "لا تَجعَلوا غَضَبَكُم يَفسَحُ المَجالَ لدُخولِ إبليسَ بَينَكُم" (أفاسوس 4: 26). فهناك غضب دنيوي غير مقبول، وهناك غضب مقبول هدفه الخير والسلام والصلاح يجعل صاحبه وديعا في عين الناس والله. وخير مثال على ذلك هو غضب السيد المسيح في الهيكل وأيضا غضبه على اليهود حين جاؤوه يوم سبت برجل ذي يد يابسة ليروا إن كان يشفيه في ذلك اليوم فقال لهم: " 'ماذا أُحِلَّ لكُم في السَّبتِ؟! هل أُحِلَّ لكُم القِيامُ بِعَمَلِ الخَيرِ، أم بعَمَلِ الشَّرِّ؟! إحياءُ النُّفوسِ أم إزهاقُها؟!' فرَفَضَ الجَميعُ التَّجاوبَ. وهُنا أجالَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) النَّظَرَ فيهِم والغَضَبُ وَالحُزنُ يَملآنِهِ لِشِدّةِ تَعَنُّتِهِم. ثُمَّ التَفَتَ إلى الرَّجُلِ قائلاً: «مُدَّ يَدَكَ!» فمَدَّها لِتَعودَ صَحيحةً كالأُخرى" (إنجيل مرقس 3: 1-5)