عشاق الله

طول الأناة

ما أعظم طول أناة الخلق على الإنسان، سواء كان مؤمنا أم غير مؤمن، لأنه "إنّهُ يُريدُ لِجَميعِ النّاسِ أن يَهتَدوا إلى الحَقِّ وأن يَصيروا مِن النّاجينَ." ( رسالة تيموثاوس الأولىولىأولى 2: 4). وفي مثل هذا يقول النبي يوئيل: "ٱرْجِعُوا إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ لْغَضَبِ وَكَثِيرُ لرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى لشَّرِّ" (يوئيل 2: 13). ما أعظم طول أناة سيدنا المسيح على العاصي المنغلق على نفسه بينما هو يقف أمام عتبة قلبه يدق الباب لعل هذا العاصي يسمع النداء ويفتح. ألم يقل السيد المسيح "هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى لْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ لْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي" (سفر الرؤيا 3: 20). ما أعظم أناة الله على المؤمن وهو يسقط ويذنب، بينما هو يقول له: "أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ لطَّرِيقَ لَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ" (مزمور 32: 8). 

لذلك على المؤمن أن يجعل أمام عينيه أناة الله ليتمثلها دائما حتى يكون التلميذ مثل معلّمه والعبد مثل سيّده كما جاء في إنجيل متى 10: 25، فيحتمل الصعاب والمعاناة والاضطهاد ثابتا فرحا ملآن رجاء، ويتحمل ضعف الآخرين صابرا وديع الروح، ناظراً هو أيضا إلى عيوبه وضعفه "إنّكُم تَهتَدونَ برُوحِ اللهِ، فإِن أذنَبَ أَحَدُكُم فقَرِّبوهُ مِنكُم وانصَحوهُ وارشِدوهُ، وانتَبِهوا كَي لا تَقَعوا في الإغراءِ الّذي وَقَعَ فيهِ" (غلاطية 6: 1).

يمكن القول أن الناس لو تحلوا بثمرة طول الأناة لأصبحت أرضنا جنة، لأن كل من يتحلى بطول الأناة مع غيره يحصل على السلام مع الآخرين ومع نفسه. فلو أن الزوج يطيل أناته على زوجته إذا تأخرت في إعداد الطعام، ولو أن أبا أو أما يطيلان الأناة على طفلهما الغاضب المتمرد، ولو أن المدرس يطيل أناته على طلابه المتعثِّرين البطيئين في الفهم فيواصل الشرح حتى يستوعبوه، ولو أن رئيساً يطيل أناته على مرؤوسه أو مرؤوساً يطيل الأناة وهو يستمع إلى رئيسه دونما ضجر ولا تذمُّر.. وهكذا دواليك، لو أن الجميع تحلوا هكذا بطول الأناة لتحول العالم إلى جنة.

فلنسأل الروح القدس كلما واجهتنا الصعوبات والإساءات أن يمنحنا ما نحتاجه من طول البال، ونرى في أيوب خير مثالٍ على ذلك. فقد حلت به المصائب واحدةً بعد الأخرى، دون أن يكون ارتكب ذنبا، فلم ينكسر، بل خرَّ إلى الأرض ساجدا وقال: "عُرْيَاناً خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. ٱلرَّبُّ أَعْطَى وَٱلرَّبُّ أَخَذَ فَلْيَكُنِ ٱسْمُ ٱلرَّبِّ مُبَارَكاً. فِي كُلِّ هٰذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ لِلّٰهِ جَهَالَةً" (أيوب 1: 21 و22). وحين قالت له زوجته بعد أن فقدت صبرها وهي ترى محنته: "أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ! جَدِّفْ عَلَى ٱللّٰهِ وَمُتْ!" قَالَ لَهَا: "تَتَكَلَّمِينَ كَلاماً كَإِحْدَى ٱلْجَاهِلاتِ! أَٱلْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ للّٰهِ وَ لشَّرَّ لا نَقْبَلُ؟" (أيوب 2: 9 و10). وحين اتَّهمه أصدقاؤه أنه لا محالة ارتكب ذنوبا يستحق عليها عذابه أجاب: "لَمْ أَجْحَدْ كَلامَ ٱلْقُدُّوسِ" (أيوب 6: 10).

فإن كنت تعاني حمل صليب ثقيل، وتحس أن أطرافك تسمرت وأنك عاجز على الحركة، فتعال إلى السيد المسيح الذي سيمنحك بروحه القدوس طول الأناة، فتثبت تحت صليبك الثقيل وتنهض في الأخير منتصرا. لأنه هكذا وعد الله المؤمنين في قول سيدنا عيسى المسيح:  "إليَّ إليَّ أيُّها المُتعَبونَ والمَساكينُ الّذينَ يَنوؤونَ بأحمالٍ بسَبَبِ التَّقاليدِ الثَّقيلةِ الّتي وَضَعَها الفُقَهاءُ على كاهلِهِم! وأنا أُريحكُم عِندَما تُصبِحونَ مِن أتباعي." (إنجيل متى 11: 28)