عشاق الله

موهبة التمييز

كثير من المؤمنين يركزون على حيازة فضائل أخلاقية واجتماعية وأيضا مواهب روحية كثيرة...لكننا نراهم رغم حرصهم ذلك وبلوغهم شأوا بعيدا في التحلي بفضائل عديدة يسقطون سقطات مدوية أحيانا..وسبب سقوطهم ذلك هو إهمالهم لفضيلة هامة وموهبة روحية عالية هي موهبة التمييز. ذلك أن غياب هذه الموهبة هو السبب وراء كل مظاهر التطرف الديني والروحي الذي يؤدي بكثير من الناس إلى الانحراف.فالتمييز يعلم الإنسان السير في الطريق الملوكي، دون السماح له بالانحراف نحو التطرف اليميني في الفضيلة، أي المغالاة وتعدي خطوط الاعتدال، كما لا يسمح بالانحراف نحو أي نوع من أنواع الرذيلة…

والإنجيل الشريف يعبر عن موهبة التمييز أيضا بكلمات أخرى مثل "العين" أو "نور الجسد" كما في إنجيل متى: "وانتَبِهوا لعُيونِكُم فمِن خِلالِها يَنفُذُ شُعاعُ النُّورِ إلى باطِنِكُم، فإذا نَظَرتُم إلى الآخَرينَ وقد قنَعتْ نُفوسُكم بما لَدَيكُم، أضاءَ حياتَكُم نورُ الرِّضا.>وإذا نَظَرتُم إليهِم نِظرةَ حَسَدٍ، سَكَنَت الظُّلمةُ باطِنَكُم (إنجيل متى  6: 22-23 ). يحثنا الكتاب هنا على تمييز الأفكار والأعمال، ورؤية كل شيء ومراقبة ما سيحدث.فإذا كانت عين الإنسان شريرة حسودة بمعنى غير مسلحة بسلاح الحكمة والمعرفة، ومنخدعة بالأوهام والعجرفة (كما يحدث مع البعض في العبادة)، فإن جسدنا يصير كله يكون مظلمًا. فيلف الظلام عقولنا وتغوص أعمالنا في حمأة الرذيلة والاضطرابات. نقرأ أيضا في نفس الآية: " وعِندئذٍ فأيُّ ظَلامٍ شَديدٍ على قُلوبِكُم تَتَخَبّطونَ فيهِ!؟!" (إنجيل متى 6: 23). يعبر بولس أيضا عن التمييز بكلمة "الشمس" إذ يقول الرسالة إلى أفاسوس: "لا تغرب الشمس على غيظكم" (أف 4: 26). ويعبر عنه أيضا بكلمة "سلطان" حيث لا يسمح لنا الكتاب المقدس أن نصنع شيئًا بدون هذا الأخير "مدينة منهدمة بلا سور، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه" (كتاب الأمثال  25: 28).

بالتمييز تقيم فينا الحكمة والفهم والمعرفة، وبدونه لا نستطيع أن نحصل على الغنى الروحي المنذور إذ: "بالحكمة يُبنى البيت، وبالفهم يثبت. بالمعرفة تمتلئ المخادع من كل ثروة كريمة ونفيسة" (كتاب الأمثال 3:24، 4). والتمييز هو أيضا بمثابة "الغذاء الكامل": "أَمّا القادِرونَ على التَّمييزِ بَينَ الخَيرِ والشَّرِّ بِالمُمارَسةِ، فإنَّهُم تَمامًا كَالبالِغينَ القادِرينَ على هَضمِ الطَّعامِ القَوّي بسُهولةٍ." (الرسالة إلى العبرانيين 5: 14).

من هذا يتضح أنه لا يمكن لأية فضيلة أن تصل كمالها المطلوب، أو تدوم، بدون موهبة التمييز لأنه هو الذي يقود المؤمن بخطوات ثابتة نحو الله، ويحفظ له دوام صواب الفضائل بغير ما سأم، حتى يبلغ أعلى مراتب الكمال.