عشاق الله

من وحي الثورة (12) آخر الشهر1

فتذمر كل جماعة بني إسرائيل على موسى وهرون في البرية، وقال لهما بنو إسرائيل ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر إذ كننا جالسين عند قدور اللحم نأكل للشبع، فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع... ... الى متى تأبون أن تحفظوا وصاياي وشرائعي (خروج 16)

تسببت الثورة في إغلاق البنوك بدءأ من يوم 26 يناير واستمرت قرابة الاسبوعين البنوك مغلقة، وفي يوم الخميس فتحت على استحياء آلة الصرف الآلي من بنك واحد، ووقفنا طابور طويل آملين أن نحصل على بعض النقود، وأثناء الانتظار كانت التعليقات

-  حد يعمل الثورة يوم 25 من الشهر؟ ... فتغلق البنوك ابوابها، ولا نستطيع أن نصرف مرتباتنا؟

-  اليس من الأجدر بهم أن يوزعوا نقود مع الثورة.

 

التذمر وقت الازمة

يقولون أن التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع الصورة كاملة.  وفي الممارسات اليومية في الحياة الطبيعة  نعيش الحياة بحلوها ومرها كيفما اتفق. ولا يظهر معدننا إلا في  الحلات الخاصة, تلك الحلات التي نسميها وقت الازمة. وهنا يظهر معدن الرجال وقوتهم. طالما الحياة تسير فلا اختبار حقيقي. ولكن وقت المحن يظهر الرجل الحقيقي.  وفي هذا الفصل أردت أن أتحدث عن ذلك الوقت الذي فيه تكون الأزمة على أشدها... ماذا نفعل؟  وفورا تذكرت تلك الجماعة التي كانت شعب الله،  وتذكرت الذي فعلته تلك الجماعة في وقت الازمات الشديدة. لقد كان هذا الشعب متنعمما في أرض مصر يأكل اللحم وكل أنواع الطعام الأخرى بما  تشتهر به مصر من خيرات

 

لحظة واحدة... متنعما؟!!!

 

أليست مصر هذه هي التي استعبدتكم سنين هذه عددها، وصرتم تئنون من كثرة العمل وعبودية المصريين حتى أنكم صرختم الى الله  تطلبون مخلصا فأرسل لكم نبيه موسى  لكي يخلصكم من نير العبودية؟  هل وقت الازمة نسيتم  هفكم وتذكرتك العبودية واشتقتم الى تلك القدور المليئة باللحم ناسين الزل والهانة؟

 

شعب ينسي ويتذمر... هكذا هو دائما وهذا هو معدنه الحقيقي.  اليوم علينا أن نتعلم تى لا نفعل ما فعلوا ... ولكنها أيضا فرصة لنتعلم درسا آخر عن الله الذي يسمع آنات الضعيف المحتج وسط الازمات... هو طويل الصبر ويتحمل ضعفات البشر ويستجيب رغم الضعف

 

عزيزي... هل تعاني من نقص في الطعام والماء... لقد سمعت أن بغداد والبصرة تعاني من أزمة في المياة.  وأيضا في الطعام... فوصول الامدادات ليس بالسهولة كل يوم. فماذا علينا أن نفعل في هذا الوقت الصعب... وقت قلة  الموارد الأساسية. هل يكون التذمر ... سأريك طريق أفضل

 

هل يستمع الله؟

يحكي لنا  الكاتب تيموثي عن شهر كان مأسويا ومربكا في حياته هو وأسرته فيقول " في سنة 1954 كنت أبلغ من العمر أربع عشر شهرا وكنت الابن الثالث من أربعة أطفال, وعندما كانت أيام الصيف تزداد حرارة والرطوبة ترتفع، كان الوالدون في كل أنحاء امة حريصين كل الحرص على مواجهة شلل الأطفال، لم يكن اللقاح الذي يعطي لمقاومة هذا المرض موجودا بعد، فلم يظهر هذا المصل سوى بعد سنتين من ذلك التاريخ ... وللإقلال من احتمال العدوى من ذلك المرض كانت هناك قائمة من الممنوعات... وقد حرص أبي كثيرا على أن يهتم بتعليمات الأطباء في هذا الوقت... ولكن مع ذلك أصبت بالمرض... أشكر الله أني لا أتذكر أي شئ من ذلك فقد كان عمري 14 شهرا ولكن على الرغم من ذلك، فقد تركت هذه الحادثة في أولى حياتي تأثير غير من شكل حياتي كلها، حتى أنها أثرت على عائلتي تثيرا عميقا، قالت أمي أنها المرة الوحيدة التي رأت  فيها والدي يبكي... كان يتساءل  لماذا جعل الله يبتليه بهذه المصيبة.... واليوم فإن أبي أول من يخبرك (اني أعرف أن ذلك يبدوا جنونية بالنسبة للبعض )  بأن الشلل قد اتضح أنه كان نقطة تحول إيجابية في حياتنا كلها، حياتنا التي لا تزال تدور حول أغراض الله العظمة "[1]

في الكثير من الفضائيات وبالذات المصرية منها   أرتفعت صلوات البشر تطلب الى الله أن ينهي الثورة المصرية، فالناس تعبت والبنوك تخسر، والبورصة أيضا تخسر، ولكن ها هي الثورة تشتد ...  مات كثيرون، ويعاني الأكثر من نتائج هذه الثور.  هل يستمع الله؟ بالتأكيد. هل استجاب الله لكل هذه الصلوات... أجل... لقد استجاب بأسلوبه، فهو يستطيع أن يحول من الشر خيرا... حسنا قال الصديق يوسف لأخوته " أنتم أردتم بي شرا, والله قصد به خيرا" ... فنحن لا نستطيع أن نرى الآن الصورة كاملة... فنحن في وسط الأحداث  نرى أجزاء متناثرة من قطع البازل عما قريب ستتجمع الصور المتناثرة مع بعضها لتكون الصورة الرئيسية. ولأن الله يحب مصر ستكون خيرا عليه ... الله يستجيب لأنه هو المسيطر على الامور وهو أعلى وفوق كل قوى عظمى ... هل تستطيع أن تثق في هذا؟

 

أني أثق أن الله هو أحن من الأم على رضيعها، فيحدثنا التاريخ أن الأم باعت رضيعها وقتلته وأكلته... أما الله فهو يرى الخير ويفعله، رغم كل قوى الشر الموجودة في هذا العالم فالله يستخدمها بحيث تشارك في تتميم مقاصده وسلطانه على ذلك الكون الفسيح.

ماذا نفعل بدلا من التذمر؟

لنرجع الى القصة التي في أول الفصل، قصة ذلك الشعب الذي يقول أنه شعب الله ولكن ما أن يمتحنه الله بمشكله  حتى يظهر ذلك التزمر فورا, وأيضا عدم الطاعة... فالله يستجيب بمنتهى السرعة لذلك اشعب ويعطيه الطعام ولكنه  يأمره أن يأخذ حاجته فقط لا يزيد ولا ينقص ... وأيضا أمره ألا يبيت من الطعام الى الغد، ويوم الجمعه يأخذ حصة يومين ولا يخرج ليجمع طعامه في يوم السبت. ولكن ذلك الشعب الذي تعود على عدم الطاعة والتمرد لم يفعلوا هذا... بل فعلوا عكسه... ليقول لهم الله تلك الآية الشهيرة" ... ... الى متى تأبون أن تحفظوا وصاياي وشرائعي" ... وهنا وفي  نفس التوقيت أسأل ... هل تحفظ وصايا الله؟ أنه لا يريد تزمر... ولكنه يريد حفظ الوصايا وطاعته وعدم التمرد عليه في كل ما يقوله.

 

ليتك في وسط تلك العاصفة تسلم أمرك اليه ... وتلتف حول الكتاب المقدس... وتقرأ من ذلك الكتاب الذي يعطي السلام والطمأنينة... علم أولادك فيه وازرع فيهم روح الثقة لذلك الاله العظيم ... ثق أن الله في يديه كل الامور... لم تخرج الامور من سيطرته أبدا... وهو سيسد حاجتك وحاجة بيتك... تأكد من هذا

 

هل تعاني من نقص في الطعام والشراب والدواء... الله سيعتني بك اذا وضعت ثقتك فيه ... انزع عنك أي روح تذمر... هل تأكل كل يوم نفس الطعام حتى سمعت من أولادك نفس التعبير الذي  قالوه ذلك الشعب القديم بسبب تكرار الطعام " سئمنا هذا الطعام السخيف؟" هذا الطعام يا عزيزي هو عطية الله وسط الظروف الصعبة... بمشيئة الله يتنتهي هذه الظروف وستعبر... وستتحول الى ماضي... ربما تفقد عزيزا... وربما تخسر منزلا ... ولكن بكل بساطة سلم لله أمرك... اتكل عليه وهو يجري معجزات ... هو وعد ووعوده صادقة وأمينه

 

عزيزي هل تضع ثقتك على الله وتشكره على عطاياه ... ليتك تفعل ... وتذكر أن "محبة الله لك هي اعظم ثابت أبدي بالرغم من كل تقلبات حياتك اليومية"[2]

 

ليتك ترفع هذا الدعاء

ربي والهي

أريد أن أشبع وأتلذذ بك ألآن.

لا أريد أي شيء في هذا العالم سواء استجبت لصلاتي ام لا

ولكن المهم هو أن اتمتع بشخصك

ربي ، ساعدني لكي أشعر بحضورك معي الآن

سيدي

أسجد عند قدميك

وأطلب منك أن تهبني الراحة

أسلم لك هذا الهم أتركه عندك وأثق أنك كفيل بأن تحمله عني

ياربي

أزل الاضطراب والتوتر والقلق من نفسي

أنا منتظر أمامك لكي تعمل في قلبي

لا أنكر خوفي من الوضع الحالي

خائف من خبث العدو ومؤامراته ضدي

أنا خائف أن يلحق الضرر بي أو بعائلتي

أسلم لك هذه المخاوف وأتركها عندك

امنحني الراحة والطمأنينة [3]

لأقول مع نبيك داود " بسلامة أضجع بل أيضا أنام  لأنك أنت في طمأنينة تسكنني "

 

 

[1] عن كتاب الاستماع الى الله في عالم صاخب . تيموثي ل أونجز

 

 

[2] عن كتاب الانتصار على الظلام تأليف نيل أندرسون

 

 

[3] صلاة مأخوذة بتصرف من كتاب "بسمة وسط الألم" بقلم سمير فؤاد رمزي.