عشاق الله

من وحي الثورة (11) حاميها حراميها وليالي الخوف

لما اقترب فرعون رفع بنو إسرائيل عيونهم، وإذا المصريون راحلون وراءهم, ففزعوا جدا, وصرخوا بنو إسرائيل الى الرب. وقالوا لموسى " هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية؟ ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر؟ أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين: كف عنا فنخدم المصريين؟ لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية." فقال موسى للشعب: "لا تخافوا قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. فإنه كما رأيتم المصريون اليوم لا تعودون ترونهم أيضا الى الأبد. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خروج14: 11-13)

 

في هذا المقال لن أتكلم عن تطبيق على المستوى الفردي في التغيير الثوري، ولكن على مستوى الجماعة، واضع في ذهني نتيجة الأستفتاء الدستوري الذي خرج كل الناس عن بكرة أبيهم ليقولوا كلمته.

المحللون السياسيون قالوا أن الأجابة الصحيحة هي لا، وجاءت النتيجة (نعم)، وانتابت حالة من الأحباط والخوف شعبنا. بل البعض انتابه هلع حتى أن خادمة صرخت وقالت:-  

-  سوف يجبروننا على أن نلبس الطرح في خلال عشر سنوات!!

جماعة جاءتها هستريا الخوف، لمجرد توقع لم يحدث،وهذا في حد ذاته يحتاج الى تغيير في النظرة والرؤى، وفهمنا لعمل الله.  

إذا رجعنا للوراء منذ 25 يناير سنجد أن من يريد قتل الثورة ومحاولاتنا للتغيير، فينشر الخوف والهلع كنتاج لعملية التغيير هذه.  

منذ البداية وعليك أن تغلق الأبواب جيدا وأنت نائم، وعلينا تكوين لجان شعبية للحماية، ومع ذلك من الممكن أن يجتاز هؤلاء الأشرار الذين يهددوننا كل اللجان الشعبية  التي تحمينا ويحاولون اقتحام المنزل، لقد حدث بالفعل أن دخل بعض المغرضين وذبحوا الآمنين في الليل، كل هذا لكي تتراجع عن موقفك تجاه التغيير، وأيضا نتيجة الاستفتاء محاولة لأقناعكأن التغيير نفسه وهم.

كل هذه الأحداث تذكرني بذلك السيناريو الذي واجهه موسى وهو يقود شعبه نحو الحرية، لنتأمل هذا الحدث:-

خطر في الخلف

لقد أراد الله أن يحرر شعبه القديم من عبودية  شعب مصر ... ذلك الشعب الذي ظل عبداً له بضعة مئات من السنين... منذ وفاة يوسف بن يعقوب وتولى حكم مصر أسرة أخرى غير الأسرة التي كان يحكم في ظلها الصديق يوسف... وبهذا تحول شعب الله القديم الى شعب عبد يخدم المصريين... وصرخوا الى الله... وأرسل لهم الله نبيه موسى لكي يقود ثورة تخلصهم... ويخرج بهم من أرض مصر... وبعد عجائب عظيمة خرج الشعب... ولكن ها هو جيش مصر يطارده. لا يريد له الحرية , ولا الكرامة... يريد أن يظل عبدا في مصر... تجمعت المصالح ضد شعب الله  فكان خطر رهيب في الخلف... جيوش عظيمة تطاردهم... وهم مساكين  ... لا يملكون السلاح المناسب... ومعهم نساءهم وأطفالهم وشيوخهم...  فكان من الطبيعي أن ينتابهم الفزع فالموقف خطير وخاصة  أن البحر من أمامهم  والعدو من خلفهم

فزعوا جدا

الوضع بالفعل يثير الفزع... ولكن ما هو الحل الأمثل لشعب خائف ومحاصر بالأخطار في جميع الاتجاهات،  لو سلكوا بصورة إيجابية كان من الممكن أن:-

 

  • يتذكروا الماضي القريب

ذلك الماضي الذي فيه اختبروا قوة الله ومعونته. ففي الأيام القليلة شاهدوا الضربات العشر على الشعب الوثني وشاهدوة قوة الله بالمقارنة مع قوة السحر المصري... لقد كانوا دائما في المركز الأقوى بمعونة ذلك الاله الخالق الجبار.  هناك شئ آخر كان من الممكن أن يفعلوه إيجابيا

 

  • أن يصرخوا الى الله ويطالبوه بالتدخل

هو وعد بأن يرافقهم... وفي الاعداد القليلة التي في الاصحاح السابق لذلك الاصحاح  من سفر الخروج  كتب يقول " كان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلا فيعمود نار ليضئ لهم لكي يمشوا نهارا وليلا, لم يبرح عمود السحاب نهارا وعمود النار ليلا من أمام الشعب " خروج 13: 21-22

 

انهم يرون رفقة الله معهم سواء نهارا وليلا... ولديهم تاريخ فيه انتصر الله على شعب مصر فلماذا التزمر... لقد نسي الشعب كل هذا, وسلكوا بسلبية شديدة ... فماذا فعلوا

 

  • تزمروا على موسى

وتلك كانت عادة الشعب القديم  الذي  ما أن يقع في مشكلة حتى يتذمر على قادتهم فورا... لقد عانى منهم القادة كثيرا بسبب هذا... فقد كانت تلك القادة كبش فداء لأي شيء يحدث... الشعب لم يكن لديه أي استعداد للفهم او للإيمان

 

  • قالوا مرحبا بالعبودية

ليس هناك أسوأ من شعب يفضل العبودية على الموت... الله خلقنا أحرارا... وهو يريد مستقبل حر لشعبه... أما الشعب فمع هبوب العاصفة يريد أن يرجع الى العبودية... والظلام

عزيزي

هذا المقال هو بمثابة تحذير لك، هل تعاني في الوقت الحالي من عواصف وأخطار رهيبة ... خوف وإحباط بسبب توقع من الثورة لم يحدث؟!!

أنظر الى الله ، تطلع الى الأمل الوحيد... ربما يكون من أهداف الله أن يصقلك ويحولك مثل الذهب النقي فأوقعك في هذه المحنة الرهيبة. هل تعاني وتتألم. ثق أنه هذا الالم وهذه المعاناة هي بسماح من الله لأنه يريد الأفضل في النهاية... هو يتابع المشهد وممسك بكل الأمور في يده . ضع ثقتك فيه  واتكالك عليه لأنه هو يعتني بك... ربما لا ترى السحابة أو عمود النار ولكنهما موجدتان لحمايتك... وكل ما يحدث بسماح منه. تأكد أنه ليس هناك قوة يمكن أن توازي أو تعادل قوة القدير العظيم . وهو يعتني بك...

بدون رؤية فرعون... لا مجال لرؤية خلاص الرب

 

هل فكرت في هذا الأمر؟  لا يمكن أن تختبر قوة الله ولا خلاصه إلا إذا وقعت في محنة عظيمة وتجربة رهيبة. لنتأمل الشعب القديم ... الشعب لن يعرف قوة ولا قدرة الله بدون مواجهة فرعون "ولقد كانت مواجهة فرعون قرار الهي  وليس قرار فرعون نفسه فلقد سبق وقال الله لنبيه موسى " وأشدد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم، فأتمجد بفرعون وجميع جيشه، ويعرف المصريون أني أنا الرب" خروج 14: 4

 

هي رسالة موجهة للطرفين إذاً... موجهة  لشعب الله القديم ولشعب مصر القديم أيضا... لقد أراد الله أن يعلن لشعبه القديم أنه  ليس هناك عظيم مثله ... واراد أن يعلن للمصريون أن كل آلهتكم بعظمتها وقدرتها وسلطانها هي خدعة كبيرة... وهي أضعف من أن تواجه الله.... حسنا قال النبي أيليا في يوم من الأيام حينما صرخ في وجه الشعب " لماذا تعرجون بين الفرقتين إن كان البعل  هو الله فاعبدوه، وان كان الرب هو الله فاعبدوه، أما أنا بيتي فنعبد الرب"

 

هو يقاتل عنكم

ربما نحن لا نرى ما يفعله الله... ولكنه لا ينام ولا يغفل، لا يمكن أن تزيد الأمور عن الحد الذي يسمح به، ففي الوقت المناسب فصل بين الفريقين  لنقرأ الكلمة المقدسة " فدخل بين عسكر المصريين و عسكر اسرائيل، وصار السحاب والظلام وأضاء الليل فلم يقترب هذا الى ذاك كل الليل" خروج 14: 20

 

  • فصل بين القوات

ذلك الفصل الذي من خلاله تعطلت القوة الضاربة والتي هي فرعون ليضطر أن يسكت طوال الليل وينام منتظرا حلول ضوء النهار... ولكن الله لم يكن في حاجة الى هذا الانتظار... لذلك أثناء هذه الهدنة الاجبارية أمر الله موسى أن يمد يده الى البحر

 

  • موسى ينفذ الأمر الالهي

يقول الكتاب المقدس" ومد موسى يده على البحر، فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة في كل الليل، وجعل البحر يابسة وانشق الماء " خروج 14: 21 لقد أرسل الله ريحا شرقية شديده كل الليل  تلك الريح التي صنعت طريقا وسط البحر  ليدخل شعب اسرائيل وسط البحر على اليابسة... وليكون الماء (سور حماية لهم ) على اليمين واليسار ...

 

  • الكل نائم ولكن الله يعمل

فالله هو من هيج الريح لتكون سلاحا مع شعبه ضد المصريين،  والله من جعل المصريين يمشون وراء اسرائيل بثقل وأزعجهم فتقول الكلمة المقدسة " وخلع بكر مركباتهم حتى ساقوها بثقله فقال المصريون نهرب من إسرائيل لأن الرب يقاتل المصريين عنهم" خروج 14: 25... وفي النهاية شعر المصريون بخوف غير مبرر  لأنهم كانوا خلف  شعب الله مباشرة في البحر  ... هو الله الذي يعمل ... والذي أعلن عن نفسه ليعارف المصريين بقدرته وعظمته ويخافون منه.

 

  • النصر والخلاص من المشكلة هو النهاية الحتمية

لأن البحر الذي كان بالنسبة لشعب الله سور حماية لهم عن يمينهم وشمالهم هو نفسه الذي كان آداة موت بالنسبة للمصريين ... لذلك يقول الكتاب المقدس  " فخلص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين ونظر إسرائيل المصريين أمواتا على شاطئ البحر. ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين ، فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى

 

عزيزي

من جديد أقول لك هل أنت في مواجهة الخطر؟ ثق في الله... كل هذه الأمور بسماح منه، وفي يده مقاليد كل الامور... وهو أيضا يعمل ... دون أن ترى و دون أن تعرف كيف... ولكن ثق أنه يعمل... وسيأتي الوقت الذي فيه سترى خلاص الله من مشكلتك فتمجد وتسبح الله العظيم القدوس... فقط انظر اليه وانتظر