عشاق الله

من وحي الثورة (9) كنائس بلا حراسة

فَبَكَّرَ خَادِمُ رَجُلِ اللهِ وَقَامَ وَخَرَجَ، وَإِذَا جَيْشٌ مُحِيطٌ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْلٌ وَمَرْكَبَاتٌ. فَقَالَ غُلاَمُهُ لَهُ: «آهِ يَا سَيِّدِي! كَيْفَ نَعْمَلُ؟ (ملوك الثاني 6: 15)

 

 

اختفت الحراسة من الكنائس، وعندما أرادت هايدي زوجتي أن تتفقد أحوال جيراننا أثناء الثورة، بالذات في الأيام الأولى حيث كانت الثورة في أشدها، تساءلت واحدة من الجيران والتي كانت مسلمة في إشفاق

– من يحرس كنائسكم؟ ...

لقد اختفت الحراسة بالكامل من على الكنائس، وهذا جعل أصدقائنا المسلمين يخافون علي سلامتنا، ويتساءلون بخوف حقيقي علينا من الارهاب الذي بات يهدد الكنائس منذ فترة طويلة، وكان الرد التلقائي لهايدي هو

-  ربنا هو من يحرسنا

 

وهذه هي الحقيقة، الله هو من يحرس شعبه، وليس الحكومة، لذلك نحن في واقع الأمر لم نكن نحتاج لحراسة بشرية، ولكن الحراسة جاءت من النظام السابق لاستكمال الصورة – صورة الخوف من ارهابيين يدسهم النظام نفسه، أو على اقل تقدير ينتقي من لديهم الاستعداد للأرهاب ويدفعهم ويشجعهم على عمل الارهاب سواء بزرع اشاعات واكاذيب عن المسيحيين، بحيث يهيج هؤلاء الارهابيين ضد الكنائس فيحدث التهديد، وبعد التهديد يحدث التدخل، ثم بعد ذلك تأتي الحراسة، التي لها أكثر من فائدة للنظام السابق، منها :-

1-  إذا تغير النظام سيستلم الارهابيين الحكم، وسترون ايام سوداء

2-  إذا تركناكم لن تحصلوا على حقوق، فارضوا بالفتات الساقط من نظامنا

3-  بالأمر لابد أن تنتخب النظام، فهو الذي يحميكم ويدافع عنكم

4-  الحراسة عين النظام داخل الكنيسة، فهي التي تنقل الاخبار من داخل الكنيسة الى امن الدولة .  

  لذلك نستطيع أن نقول أنه ليس كل ما نراه حقيقة، فهناك أشياء تراها لكي يصلك من خلالها مفهوم معين ليس شرطأ ان يكون حقيقياً ...فإذا رأيت حراسة على الكنائس، الحقيقة الأولى التي تصلك هي أن هذه الكنائس تحتاج الى حراسة، ولكن ربما كان الأمر يختلف في مفهومه كثيراً، الأمر يحتاج الى تفكير، ثم بعد ذلك الاستنتاج

وسقط النظام، وسقطت الحراسة فماذا حدث؟ ... حقائق تكشفت وعرفنا أن الخطر كان وهم، ويمكن وجود بدائل كثيرة للمعيشة، منها بناء جسر من التفاهم مع الآخر، الأمر الذي رأينا أنه غير مستحيل

  ولكن هل هذه النظرة التي رأيتها أنا وكتبتها في السطور السابقة هي نفس النظرة التي رآها الجميع؟!!

لا... بل تباينت ردود الأفعال بشدة في هذا الأمر، وشعر كثيرون بالخوف، والقلق، وعدم الأمان. ليس بسبب تساقط الحراسة على الكنائس فقط، ولكن تساقط الحراسة بصفة عامة.

***

وفي عمق المشكلة  التي يمكننا أن نواجهها يختلف ردود أفعالنا لها باختلاف النظرة التي نراها من خلالها... هل نرى في هذا الوضع الذي نحن موجودين فيه يد الله؟ ...هل نرى  الخير؟... هل نرى أنه وقت سينقضي سريعا ونحن أثناؤه محميين بقوة علوية وعدت بالحماية هي قوة الله؟ . 

في القديم  واجه اليشع أحد أنبياء الله مشكلة مشابهه، عندما تعرضت بلدته لخطر كبير، إذ حاول ملك مدينة آرام أن يقتله، فأرسل الى مدينة دوثان حيث يعيش خيلاًً ومركبات وجيشاً ثقيل, كل هذا العتاد جاءوا ليلاً وأحاطوا بالمدينة. وهنا نجد رد فعل متباين بين  خادم اليشع  وبين اليشع نفسه ... فيقول الخادم:

-  "آه يا سيدي! كيف نعمل؟!

... بينما رجل الله نفسه يقول:

-  "لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم.

فنرى المشكلة واحدة، ولكن رجل واجهها   بالخوف لأنه نظر الى المشكلة ذاتها. والآخر واجه المشكله بأنه رفع عينيه الى السماء فكان الفارق واضحا في ردود الأفعال.

صورة قاتمة

فماذا  تستطيع أن ترى خلال هذه الصورة ؟ في الوضع الطبيعي ستجد جنود يحاصرون موقع النبي أليشع يريدون قتله... وهل في قلب الثورة كانت هذه الصورة بعيدة عنا؟!   ونحن في  بيوتنا ومنازلنا , مهددين في أي لحظة الى دخول أعداء من كل نوع بعد أن اختلط الحابل بالنابل ... ولم يستطع الشعب تمييز عدوه من صديقه

الأعداء قوة بغيضة تواجهنا وتتمركز في تعبير واحدهو عدم الشعور بالأمان ... هل تشعر به؟ في هذا الوقت بالتأكيد نعم ... وهذا الشعور شعر به بقوة خادم رجل الله فنجده يصرخ في يأس " اه يا سيد ماذا نفعل؟ 

وكانت كلمات الطمأنينة التي لدي اليشع هي "فَقَالَ: «لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ»" (2مل6: 16) ولكن يبدو أن مجرد الكلمات لم تكن كافية لطمئنة الغلام العديم الخبرة في تعاملات الله، لذلك كان الأمر يحتاجالى أكثر من معلومة يعطيها، لذلك "َصَلَّى أَلِيشَعُ وَقَالَ: «يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ». فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ، وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلاً وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ" (2مل6: 17) في الواقع هذه الصلاة لم تكن مغيرة للأوضاع بل هي مغيرة  للأنطباع الداخلي ... لقد صلى رجل الله أن يكشف الله لخادمه الوضع كاملا ما يراه وما لا يراه ... ليكتشف  أن هناك جيوش للحماية... أرسلها الله ... بهدف الدفاع عن رجل الله .

  عزيزي

وأنت تشعر بعدم الامان والمخاوف بسبب كل تلك التفاصيل التي تهدد حياتك وحياة أولادك ... لا تكتفي بتلك الصورة الظاهرة أمامك ...   فقد تكون تلك الصورة قاتمة... ولكنها بالتأكيد غير مكتملة, لأنك لم ترى من وراء الأحداث، لذلك لا ينبغي أن تجعلك هذه الصورة تخاف ... بل صلي كما صلى نبي الله اليشع... قل له اكشف عيني لأري الصورة كاملة... هذه الصورة تتمثل في جنود دفاع غير مرئي تحميك أنت وعائلتك ...

عزيزي

ان رسالة الله في الكتاب المقدس تتمثل في فكرة واحدة يعد به الله خائفية , وقد كررها 366 مرة على مدار الكتاب المقدس كله فنجده يقول يشوع في القديم ولك حاليا " أما أمرتك تشدد وتشجع لا ترهب ولا ترتعب  لأني أنا الرب الهك حيثما تذهب " يشوع 1: 9

هذه الوعود ترافق حياتك بالكامل , وتشمل أحلك لحظات الحياة... فقط ارفع عينيك بايمان ورجاء الى الله وقل له "انت وعدت بأن تحميني ... اضع رجائي وثقتي فيك" وستجد الحماية ... وستجد الرفقة والعناية وسيكشف الله عن خططه لحياتك ومستقبلك... وستكتشف أنها هي الافضل.

كلنا رأينا الكثير من الشرور في هذه الثورة   ... ولكن الله قادر على تحويل هذا الشر الى خير... والخطر الى بركة ... فقط إذا وضعنا رجاءنا عليه ... وهذا ينقلنا الى الفكرة الأخيرة والتي تقول

القائم خلف الصورة

تذكر دائما أن هناك من هو قائم خلف الصورة , وهو المسؤول الأساسي عن حمايتك... وهو قادر على صنع هذه الحماية لذلك لا ينبغي أن تخاف ... بل ارفع عينيك وقل افتح عيني لأراك سيدي والهي فأنا أعرف أنك خلف الصورة ، تقوم بعمل الخير لي .. " فنحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده" رومية 8 

تمسك بالوعود الالهية فهي القادرة أن تعطيك ذلك الاحساس بالأمان ... لأن القائم خلف الصورة أيام نبي الله اليشع قتل من اعداءه  آلاف في ليلة واحدة... ألا يستطيع ذلك القدير أن يهزم مخاوفك وكل من يهددك  في ذلك الوقت العصيب ... انه يستطيع... وهو وعد أنه سيفعل

 

هو قال " لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون ... ومع التجربة يعطي المنفذ ." هل تثق في هذا؟ ليتك تعلن له ثقتك.