من وحي الثورة (4) اللي تعرفه احسن من اللي ماتعرفهوش
عماد حنا
أطلق لنا ... باراباس
ليس لنا ملك إلا قيصر
فارتفعت الصرخات، اتركوه اتركوه
اتركوا رئيسنا الذي حكم طوال هذه الأعوام الثلاثين.
هذه صيحات حدثت أثناء المطالبة بإقالة الرئيس، وكان السؤال المهم، هل هذه المطالبة لأن الرئيس وأعوانه جيدين، والأجابة دائماً تكون
- لا
- إذا لماذا؟
- لأن الذي تعرفه أفضل بالتأكيد من الذي لا تعرفه،
ولكي يوثق كلماته دينياً يقول أنه علينا أن نضع للسلطات القائمة بالفعل كما أوصانا الكتاب المقدس.
في الواقع موضوع الخضوع للسلطات ظاهره طاعة وباطنه خوف وخنوع وتردد، فالكتاب لم يأمرنا أن نقمع أنفسنا ونقبل الذل والمهانة، ونترك الآخرين يسرقوننا بدعوى أننا نخضع للسلطات.
ولكننا خنعنا، استسلمنا للرشوة وغيرنا أسمها لأكرامية وأسكتنا رغبات مكبوتة في الصراخ ... أننا نُسلب ونُسرق في وضح النهار وتضيع كلحقوقنا ولكن مع هذا لا نريد التغيير.
لماذا؟
لأن البديل المجهول مخيف ... ربما يحولنا لأيران أو أفغانستان ... أو عراق آخر. هذا الخوف هو صنيعة النظام القديم، بل هواستخدم هذا الأسلوب للسيطرة علينا ... وبعد أن يتملكنا الخوف يفعل ما يحلو له فينا. يمرح ويسلب وينهب ويظلم ويهدر حقوق ويأخذها في جيبه كأنها حق من حقوقه، وعلينا أن نصمت ونصمت ونصمت.
الدستور يعطي الحق لأكل انسان أن نقول لا للظلم لا للرشوة لا للسرقة ... وكلمة (لا) لا تتنافي مع الخضوع الذي يأمرنا به الكتاب المقدس
بل أن الكتاب المقدس سنن قوانين في شريعته لكل سارق وناهب ومرتشي ... الخ، فلماذا لا نطالب كل الناس بالخضوع لهذه الأمور، لماذا نروحن الأمور فنخضع للفاسد، الله يرفض أن نخضع للفاسد.
فإذا رأينا حكامنا يسلبوننا لماذا لا نحاكمهم؟ عدم محاكمتهم يتنافى مع القانون الالهي والقانون الانساني الطبيعي.
ولكن ما معنى الخضوع للسلطات؟!
معناه أن أكون ملتزما بالقوانين، ألا أكسر أي قانون ، لا أسرق ولا أرتشي تحت أي مبرر، واؤدي العمل المطلوب مني بكل أمانة وشرف. هذا هو الخضوع الذي يطلبه الكتاب المقدس.
اما الخنوع فهو أن أرى غيري يفعل الشر وأخضع له، وأكون ضمن منظومة الفساد العامة، غير مختلف عنهم ... وهذا ما كان يحدث في مجتمعنا، فنجد أن المؤسسات بها الفاسدون، وبها المؤمنون الصامتون، معادلة صعبة. ولا ترضي الله.
أشهر أمثلة الكتاب المقدس للخضوع للسلطات مع عدم الخنوع لهم هو ما سلكه دانيال، الذي كان خاضعاً للملك، ولكنه وضع في قلبه ألا يتنجس لا هو ولا الفتية الثلاثة بأطايب الملك، لقد خضع، ولم يشارك أو يخنع، وواجه هو الاسود، وزملاؤه واجهوا النيران، ولكنه كان خضوع بلا خنوع.
كثيرون منا غاضب، وصامت، لأن أصحاب المصلحة أقنعونا ان المجهول سيء والذي تعرفه أفضل من ذاك الذي لا تعرفه.
ماذا نسمي هذا؟ هو نقص في معرفتنا لله، ونقص في ثقتنا به، لأننا إذا وثقنا في الهنا وان بين يديه كل مقاليد الأمور لهرب الخوف وعرفنا أننا نستطيع أن نتمرد على الفساد والله يعطي الصالح الذي يريده لنا، وينتظر منا أن نطلبه.
هو يرينا الظلم لكي نصرخ ونطلب أن يطاح به، ونتمرد عليه بشتى الطرق، ولكننا لا نفعل.
لا أقول أن الأمر سهل ... أذكر أختي التي تعمل طبيبة عيون، وقفت أمام مديرها منذ عامين لتقاوم فساده، وصعدت شكواها أمام الرؤساء والصحافة، فهي ترى الفساد واضح أمامها، ولم يقف معها أحد، رغم أن مديرها كان كالعنكبوت الذي تشعبت شبكة فساده لتشمل مساحة كبيرة من المسؤولين، وخاف الجميع، وعلى الرغم من أن فسادة شمل الكثير من زملاء وزميلات تلك الطبيبة الشابة، إلا أنه لم يتكلم أحد غيرها، هي التي دفعت الثمن في البداية، على حسابها وحساب اسرتها، ولكن بعد الثورة، صار صوتها الوحيد اعتصام أطاح بذلك الفاسد فحصدت أخيرا ثمار كانت قد تأجلت بعض الوقت.
في خلال هذه الفترة ما بين وقوفها أمامه بمفردها وما بين اندلاع الثورة التي جرأت باقي المظلومين كانت مشاعرها منهارة، بدا لها أن يد الظلم أقوى وأكبر، وأيضاًً بدا لها أن الفشل هورفيقها عل الرغم من نبل قضيتها. لم تسمع كلمة ثناء واحدة بل سمعت تلك التعبيرات المقيتة
- خليكِ بجوار الحائط
- انت المضرورة الوحيدة
- كل الدولة معه، أين تكونين
- المسيح علمنا الحكمة في التصرف، فلا يجب أن نرمي أنفسنا في التهلكة.
اتهموها بالاندفاع والمثالية الزائدة، وبشروها أن الشرير سيثبت وسيأخذ المزيد من حقها، ولن تستطيع أن تمارس عملها كطبيبة بعد الآن. ولكنها كانت مصرة على الوقوف أمام التيار. لذلك أكرمها الله بالتغيير. ليقول لها أنه حي وقادر على كل شيء.
هذا مجرد نموذج، نموذج لشخص يريد أن يقف أمام الفساد فيواجه الفاسدين ومعهم أيضاً الخائفين والشكاكين.
***
كل هذه التحليلات في وضعنا الحالي الذي نعيشه ذكرني كثيراً بالسيد المسيح وحملته الانتخابية للسيطرة على الحياة.
عندما بدأ دعوته كان مال القلوب هو ابليس، بكل ما فيه من فساد، وبدأ يقول "تعالوا الي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم ... تعلموا مني فتجدوا راحة لنفوسكم" المسيح يطلب السلطان على الحياة ليكون الملك الجديد فيقول
- اتبعني
ويقرع على باب القلب منتظراً الدخول، ولكنه أيضا يقول أن من يتبعه لابد من أن يحمل الصليب.
حمل الصليب؟ ما هو هذا الصليب؟ ... هو المجهول الذي نخاف منه، هو الخطة التي وضعها لنا الله لنسلك فيها. وعلى الرغم من كل وعود المسيح لنا بالراحة والسلام القلبي والتصالح مع الله والناس ولكننا نخاف من دفع الثمن.
الملك المسيطر الآن يسلب حياتنا وصحتنا وحريتنا سنين هذه عددها، ولكننا نرضى بالذل والأهانة، لأن الذي نعرفه أفضل بكثير من الذي لا نعرفه مثلما يقول المثل الشعبي!!!
اليهود في القديم كان لديهم انتظارات للمسيا القادم اليهم، ولكن عندما جاء المسيح بخطة أخرى فيه يملك على القلب قبل أن يملك على كرسي داود لم يعجبهم الحال، هو يريدون كرسي داود كأولوية. هو قال أنا ملككم ولكن خطته الانتخابية لم تشبعهم، فماذا اختاروا؟
اختاروا باراباس، الرجل الذي احدث فتنة،وقتل كثيرين، لماذا اختاروه؟ لأن هذا الرجل خطته الانتخابية تتناسب مع تطلعاتهم، هم يريدون كرسي داود ... بغض النظر أن يكون اله داودهو الههم ، ومليكهم ... لذلك رفضوا الصالح ليبحثوا عن الفاسد!! ارادوا الرجل الذي قال سأسلبكم وأثير الفتنة في وسطكم وأحقق أيضاً احلامكم بأن اريحكم من الرومان!!
فقالوا نريد باراباس
ويسوع اصلبه
من وحي هذه الثورة أقول أننا كثيرا ما رحبنا بذلك الباراباس الذي يثير الضغينة ولا يعطي السلام، وصلبنا يسوع مليكنا المحبوب الذي له كل المجد
المسيح له كل المجد يريد أن يغير في القلب، ويسيطر عليه بالكامل. بدلا من ذلك الفاسد الذي يسيطر على القلب الآن فهل تطيح بالملك الفاسد من حياتك؟
الثورة المصرية تشجعت ونزعت عنها الفساد .. رفضته .. فهل تجرب أن تعطي الملكوت لذاك الذي يغير حياتك بالكامل، حتى لو حملت الصليب
ستكون أنت المنتصر مع الله ، وإلى الأبد.