عشاق الله

وجهة نظر: هل حدث انقلاب على ثورة 25 يناير المصرية؟

 

عندما نستعرض الأحداث الدراماتيكية لثورة الشباب المصري, واصرار رئيس النظام السابق على التشبُّث بالسلطة مقابل تنازلات على شاكلة تعديلات ترقيعية في بعض مواد الدستور القديم, وكانت جميع محاولاته تواجه بالرفض من قبل ملايين الشباب, لأن َ الشباب كان قد حسم امره وقدّم دستوره الجديد الذي هو عبارة عن مبادئ طرحها في ساحة التحرير والتي تعتبر نواة للدستور الجديد الذي يطالب به هؤلاء الشباب وعلى رأس هذه المطالب ان تكون الدولة حرة ديمقراطية مدنية, ولكن وبعد سقوط رأس النظام وتسليمه القيادة لرئيس جهاز المخابرات العامة المصرية ,عمر سليمان ,وبدوره تسليم القيادة للجيش المصري حدثت مساومات واتفاقيات وصفقات مشبوهة في دهاليز واروقة النظام السابق بين هذا النظام وبين الأحزاب ألأسلامية وعلى راسها ألأخوان المسلمين وبين العسكر, كقوى مهيمنة على السلطة حينها ولا زالت, وسوف تثبت الأشهر أو السنين القادمة ما تم الأتفاق عليه بين هذا الثلاثي المشبوه.

 

هذا النظام الذي أذلّ المصريين لم يصنعه حسني مبارك‏,‏ بل هو الذي صنع حسني مبارك وجعله طاغية‏,‏ وإذا كان كل شيء قد فسد في ظل حسني مبارك فالذين سبقوا حسني مبارك هم الذين أسسوا لهذا الفساد‏.‏

 

يقول احد الكُتاب :
"حسني مبارك بقي في السلطة ثلاثين عاما لأن أنور السادات غيّر الدستور ليفتح لنفسه باب التمديد علي مصراعيه‏,‏ وفي مقابل ذلك رشا الجماعات الدينية بالمادة الثانية التي جعلت الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للقوانين فوقفت هذه الجماعات إلى جانبه في الحرب التي أعلنها على المثقفين الذين تصدوا له‏,‏ لكن هذه الجماعات هي التي أفرزت من تآمروا عليه وقاموا باغتياله‏,‏ والذي صنعه السادات في الدستور صنعه من قبله جمال عبد الناصر الذي حل الأحزاب‏,‏ وأوقف العمل بالدستور الديمقراطي الذي صدر عن ثورة ‏1919"‏

 

وقد ظهرت بوادر هذه الأتفاقيات ايضا في الأيام التي تلت ثورة 25 يناير, بدأت تظهر على ارض الواقع بجملة من الحقائق الملموسة عن تعاون الجيش مع ألأخوان المسلمين وكذلك سكوت الأخوان عن ما جرى من نهب أموال الشعب المصري من قبل النظام السابق وعلى راسهم حسني مبارك والذي كشف الأعلام العالمي عن سرقته لمليارات الدولارات من خزينة الدولة عدا ما تم كشفه من الأنتهاكات لحقوق ألأنسان لما قامت به مؤسسات أمن الدولة.

 

ولكي نعيد شريط الأحداث ونسلط الضوء على ايام ماقبل سقوط النظام سنستخلص نتيجة واحدة وهي أنّ هناك انقلابا قد حدث على ثورة 25يناير التي قادها الشباب المصري الذي بذل الكثيريين منهم انفسهم من أجل نجاح هذه الثورة لتكون ثورة حقيقية من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة ولكن جاء الأخوان المسلمون ليركبوا الموجة ويستغلوا ,كعادتهم عبر تاريخهم المعروف بالمكر والخداع, الفراغ السياسي والأمني لصالحهم لتمرير مشاريعهم الظلامية.

 

لقد أثبتت أحداث حرق(كنيسة الشهيدين في حلوان ) واطلاق النار من قبل قواة الجيش على المتظاهرين القبطيين وهم يسيرون في مظاهرات سلمية لأستنكار جريمة حرق الكنيسة, أثبت بدون شك ما توصلنا اليه من الاستنتاجات, والدليل قيام شيوخ المسلمين المتطرفين بالدفاع عن هذا العمل الإجرامي بحجج شيطانية لا يقبلها العقل والمنطق.

 

والحدث ألأهم هو التزويرات المنظمة والمنسقة للانتخابات المصرية على الاستفتاء من أجل تعديل الدستورالقديم لسنة 1971 حيث تم تطبيق ما توصلنا اليه من نتائج تلك الاتفاقيات المشبوهة بين هذه القوى الثلاثة ضد الثورة التي خاضها الشباب المصري والتي قدَّم فيها الشباب أغلى ما يمتلكونه وهي أرواحهم ودمائهم من أجل الحصول على الحرية والديمقراطية.

 

انَّ دستور1971 فيه 51 مادة تختص بصلاحيات رئيس الجمهورية، ولأن هذا الدستور أبطل العمل به بقرار من المجلس الأعلي للقوات المسلحة فإن فكرة ترقيع الدستور وحصار الثورة بالوقت الضيق لإجراء أربع انتخابات في ستة أشهر فيه عشرات علامات ألأستفهام.

 

وقد ادرك الكثيرون من المثقفين والشباب المصري هذا الانقلاب. على الثورة فقد قام الشباب والمثقفون المصريون وتحت شعار «الشعب يريد كتابة دستوره» أقيمت ندوة بميدان التحرير قبل الاستفتاء على الدستور حضرها آلاف من شباب الثورة تحدث فيها الدكتور حسام عيسي أستاذ القانون بجامعة القاهرة، مؤكدا أن التعديلات الدستورية المقترحة هي انقلاب علي الثورة ومطالبها، خاصة أن الرئيس المخلوع هو أول من رأى إجراء تعديلات فقط على الدستور وليس عمل دستور جديد وشكَّل لجنة لإجراء هذا التعديل، ثم سار المجلس العسكري على نفس المنهج وتساءل عيسي: هل من المعقول أن نجعل مبارك يرسم لنا مستقبلنا؟ وأشار في حديثه إلى أن الدستور الحالي يعطي لرئيس الجمهورية صلاحيات تجعله يتحكم في الأرض المصرية ومن عليها وأضاف قائلا "ولذلك نريد أن يكتب الشعب دستوره. وبالتالي فإننا لانريد الاستفتاء القادم بل نريد إعلانا دستوريا جديدا وأن تمتد الفترة الانتقالية لمدة عام حتى نستطيع اقامة مجتمع ديمقراطي حر يسمح بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية".

 

وقال الفقيه الدستوري ثروت بدوي إن تعديل دستور مبارك الفاسد استمرار لنظامه الفاسد لأن الدستور القديم يحمي الحرامية لذلك لا نريد استفتاءاً على التعديلات المقترحة. وشدد أمين اسكندر أحد مؤسسي حزب الكرامة على أن البلاد في حاجة إلي دستور جديد مع انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور يستند للمبادئ التي قامت من أجلها الثورة.

 

كتب احدهم قبل الاستفتاء عل الدستور المصري بعد ثورة 25فبراير مايلي:

لماذا يجب ان نقول( لا )لتلك التعديلات المشبوهة:

 

لان مصلحة السلفيين و الاخوانيين الاولى في الموافقه على تلك التعديلات تكمن في استفادتهم الرهيبة من إلغاء الماده الخاصه بقانون مكافحة الإرهاب حتى تصير البلد مرتعا لهم يفعلوا فيها ما يريدون دون رادع.

 

أن الدستور القديم سقط بسقوط مبارك ونظامه وكان على المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يعلن مبادئ دستورية جديدة(موقَّت) تحكم المرحلة القادمة حتى وضع دستور جديد, وها هو ما كنا نتوقعَّه قد حدث في أول اختبار اجتازته ثورة الشباب عندما تم الأستفتاء على (نعم) لترقيع الدستور القديم وبنسبة حوالي 77% .

 

و(لا) لترقيع الدستور القديم(بل اجراء دستور جديد يلائم طموحات شباب الثورة ) وبنسبة حوالي 23% .

 

إن كل المؤشرات والمعطيات تؤكد حصول تزوير منظم للاستفتاء على الدستور والذي تم تحت ضغوط الأحزاب الإسلامية وخاصة الأخوان المسلمون الذين شحنوا الشعب بفكرة دينية مفادها إذا أراد الشعب المصري المسلم بقاء مصر إسلامية فعلى الشعب أن يقول( نعم) لترقيع الدستور, ولكون الشباب الذي قاد الثورة لم ينظم نفسه تحت الوية الأحزاب حاليا لأنَّ ذلك يتطلب وقتا وجهوداً, فقد استغل الأخوان المشهورين بتنظيمهم الجيد وتمويلهم لكي يشتروا ذمم الناس وبساطتهم وخاصة الغير المتعلمين والفلاحين والنساء

لقد خُدعَ الشعب المصري مرتين, مرّة عندما اختيرت لجنة الاستفتاء من قبل هذا الثلاثي المشبوه ودون ان يكون بين أعضاء اللجنة ولو امراة واحدة وهذا يؤكد كون اللجنة وضعت بمباركة الأخوان .

وخدع الشعب مرة ثانية عندما تم تزوير والتلاعب بورقة الاستفتاء حيث بطاقة الاستفتاء قد صُممت لتكون عبارة عن دائرتين اولها خضراء وهي اشارة الى (نعم) وهي اشارة الى العلم الأخضر للأخوان والدائرة الثانية سودا هي(لا) اشارة الى السواد والوحشة.

 

هذا اضافة الى حالات كثيرة من التزوير في استخدام سجلات واوراق غير مختومة وكذلك فتاوى الشيوخ التابعين للأخوان المسلمون بالأستفتاء على ( نعم) كواجب ديني وشرعي على كل مسلم ومسلمة بالأضافة الى عشرات من الطرق التزويرية التي ابدع فيها الأخوان وتعلموها من النظام السابق بل اضافوا اليها طرق مستحدثة تم اختراعها من قبل المبدعين فيهم. ولا ننسى حقيقة فاضحة لهذا التزوير وهو ان النتيجة غير منطقية بهذه النسبة أي 77% اذا عرفنا انّ الأقباط لوحدهم يشكلون حوالي 15-20% من السكان وهم في الغالب قد استفتوا على (لا) لترقيع الدستور.

 

وختاما أن هذا الأستفتاء يضع ثورة الشباب في مفترق الطرق فأمّا أن يرفضوا نتائج هذا الأستفتاء ويعيدوا تصحيح مسار الثورة لتسير كما ارادها الثوار وقدموا دمائهم قرابين لتحقيق طموحاتهم المشروعة, او يقبلوا بهذا الألتفاف والأنقلاب على الثورة وعندها ستذهب لا سمح الله كُلِّ تضحياتهم وطموحاتهم ومطالباتهم بالحرية والديمقراطية في ادراج الريح.

 

 

نافع البرواري