عشاق الله

العطاء والمنع

  عندما يأتيني نقص فى الأنفس و الثمرات، أبادر بشكر ربي؛ فلعله خير. لماذا ينعم الله علي بالمنع و الابتلاء هذه الفترة؟ هل يحبني و يختارني للامتحان؟

و عندما تسير الأمور على خير، و تغيب الابتلاءات لفترة، فإنني أتساءل.  لماذا ينعم الله علي بالعطاء الآن؟ ربما أراد سبحانه أن يريحني قليلا و يعطيني من فضله أو إنني نجحت فى الامتحان. هل سبحانه و تعالى أوقف الاختبار و الامتحان؛ لأنني لا استحق الابتلاء؟ ثم أراجع أفعالي و قلبي؛هل بعدت عن ربي؟ لماذا لم يمتحني هذه الفترة؟   ربما هذا وربما ذاك.

  أنا أنظر للمنع و العطاء نظرة واحدة، فكلاهما من الله نعمة علينا و إحسان لنا. تقول الحكمة الثامنة و الثمانون من حكم ابن عطاء الله السكندري:

العطاء من الخلق حرمان

و المنع من الله إحسان

 

هيا بنا نتفهم ما المنع و ما العطاء؟

العطاء من الناس يكون فى الأغلب بأجر و بمقابل. إن لم تعط غيرك سابقا، لما أعطاك شيئا لاحقا. و ما هذا بعطاء. إنما هو تبادل و تدوير للمصالح و المنافع. و على قدر الأخذ يكون العطاء. عليك أن تحرم من شئ ما مقابل شئ ستأخذه. بل قد ينقطع عطاء الناس فى أي وقت لموتهم مثلا؛ فيكون حرمانا.   لكن تعلقك بعطاء الخلق و البشر، يجعلك تغفل أحيانا عن الحقيقة. و هي أنه لا فضل لأحد من الخلق على أحد. بل هو خير الله فى الأرض يعطى من هذا لذاك و يسبب الأسباب للتبادل. لا تتعلق بعطاء الخلق؛ فتنسى الخالق. لا تتعلق بأحد من الناس ظانا أنه يعطيك. لا تحرم نفسك من متعة و نعمة التعلق بالله المعطي الوهاب. إنما عطاء الخلق حرمان لا عطاء.

بينما عطاء الله بلا حدود و بلا أسباب. حتى لو انقطعت عبادتك. ألم تر إلى الله يعطى العاصي و الفاجر؟ و ما نقص من ملكه شئ لو اجتمع الكل على أتقى أو أفجر قلب. فهذا عطاء بلا أخذ. و هذا عطاء لا حدود له. لأنه سبحانه و تعالى الحي الدائم الوهاب. ما أجمل هذا العطاء! إذن لماذا لا  تتعلق به؟

و ماذا عن منع الله؟ و عندما يمنعنا سبحانه يمنعنا لسبب و علة. قد يكون اختبارا أو ابتلاءا حسب ما فعلته أنت و حسب درجة حبه لك. نعم، يمنع الله الخير عمن يحبه و يحبهم! ألم تر إلى القوم تغسلهم و تنقيهم التجارب المريرة و الخبرات الأليمة،فيزدادوا إيمانا و تقربا إلى الله. و سبحانه و تعالى يمنع عنك قدرا من المال أو يحرمك من الثمرات أو يغيب عنك بعض الأهل بالموت، لكي يجلوك و يقربك له لأنه يحبك. فإن صبرت؛ يرفعك لدرجة أعلى من الصابرين و المحتسبين. ما هذا بمنع و لا حرمان.

من يعلم الغيب إلا الله؟: قد يكون منعه لشيء، لما لا تعرفه أنت من علم الغيب. فتظن بعقلك أن المنع إنما منع لخير قادم و هو فى الحقيقة درء لشر أشد. كأن يمنعك من نجاح أو يمنعك من تقدم و هو يختبرك و يجلوك أو لأنه ليس هذا الميعاد الأفضل لهذا الخير. فتظن أنه منعك حرمانا، لكن سبحانه منعك لا حرمانا كما البشر. إنه عطاء الرب عندما يمنع، لو تتدبرون.

الظاهر فى منع الله أنه نقص، لكن الباطن عطاء و إحسان.

الظاهر فى عطاء الناس أنه زيادة، لكن الباطن نقص و حرمان.

لهذا....

لا تتعلق بعطاء البشر. ولا تجزع من منع الرب.

لهذا...

تأدب مع الله   وهو يمنع، وتأدب معه وهو يعطى.

عن موقع منشورات بتصرف