إحراق القرآن...إساءة للمسيحية قبل الإسلام
تعتبر الاساءة والتطاول والاعتداء على الاديان السماوية وكتبها المقدسة واماكن عبادتها ورموزها الدينية خط احمر وتصرف مستهجن ومرفوض بتاتا لدى السواد الاعظم من اتباع هذه الديانات وجريمة وعمل مشين ومتطرف يعاقب عليه القانون لما تتركه مثل هذه الافعال من اثار عنصرية والغاء الاخر وتأجيج مشاعر الحقد والكراهية والضغينة اضافة لردود الفعل العنيفة والغاضبة والانتقامية التي قد تنتشر بين اتباعها في مختلف بقاع العالم وخاصة في مناطق بؤر التوتر والاحتقان ويعطي اشارات سلبية وذريعة لاصحاب الفكر الارهابي والمتطرف والمتعصب فيها للاستمرار ومواصلة ارهابها وتطرفها وتشددها ...
حيث تعتزم كنيسة بروتستانتية صغيرة في ولاية فلوريدا الامريكية تسمى (كنيسة دوف) تأسست عام 1986 يقودها حاليا القس المتطرف (تيري جونز) الشخصية الدينية المسيحية المثيرة للجدل في امريكا حيث لا يزيد عدد اتباع هذه الكنيسة عن (50) شخص فقط بمحاولة حرق (200) نسخة من المصحف الشريف بشكل علني وغير مسبوق في الذكرى السنوية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر- ايلول الدامية للدلالة ان الاسلام هو المسؤول عن تلك الاحداث !! وللتضامن مع ضحايا تلك الهجمات غير مكترثين بمشاعر واحاسيس مليار ونصف المليار مسلم في العالم الذين لا ذنب لهم في تلك الاحداث المؤلمة والتي نفذتها فئة صغيرة ارهابية ومتطرفة من المسلمين خاصة وان حلول عيد الفطر المبارك للمسلمين هذه الايام يتزامن مع الذكرى السنوية لاحداث 11 سبتمبر ...
لكن يبدو ان القائمين على هذه المحاولة المشينة والاستفزازية لم يستوعبوا دروس وعبر ازمة الرسوم المسيئة الى الرسول (محمد) (ص) قبل خمسة سنوات بين دولة الدنمارك والعالم الاسلامي وما نتج عنها من ردورد فعل غاضبة ومتشنجة سياسيا واقتصاديا وامنيا وشعبيا ودينيا للتوقف عن الاساءة للدين الاسلامي ورموزه والتي ترفضها تعاليم الدين المسيحي وبصدد ما تقدم اوضح الاتي :
1 - ردود الافعال
----------------------
اجتاحت العالم هذه الايام موجة استياء وغضب وانتقاد وتحذير للكنيسة المذكورة والقائمين على التخطيط لهذه المحاولة البائسة التي وصفها البعض بالغبية والصبيانية حيث ادانت واستنكرت هذه المحاولة قادة ومراجع دينية كبيرة مسيحية ويهودية واسلامية كان في مقدمتها قداسة بابا الفاتيكان وشيخ الازهر ورجال دين يهود ومراجع الشيعة في العراق ولبنان وشارك رجال كنيستنا في العراق في هذا الشجب وكان في مقدمتهم غبطة الكاردينال (عمانوئيل الثالث دلي) وغبطة البطريرك (مار دنخا الرابع) ونيافة المطارنة الاجلاء لويس ساكو وشليمون وردوني وبشار وردة ومجلس مطارنة نينوى ومجلس رؤساء الطوائف المسيحية في بغداد وغيرهم ...
وكذلك استهجن وانتقد السياسيون والعسكريون في امريكا والعالم هذا العمل الغير اخلاقي والطائش في مقدمتها الرئيس الامريكي ووزيرة خارجيته ومستشاريه العسكريين وكذلك الامين العام للامم المتحدة والاتحاد الاوربي ومنظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية اضافة الى غليان الشارع في اغلب الدول الاسلامية وحتى الشارع الامريكي يرفض مثل هذه الممارسات لكن كل هذا لم يلق صدى ايجابيا لدى مخططي هذا العمل المدان للعدول والتراجع عنه لانه عمل شنيع بكل المقايس الدينية والرسمية والشعبيية والتربوية والقانونية ... حيث ان تنفيذه قد يؤدي الى تفجير التوتر والاحتقان والحساسية بين المسلمين والمسيحين في مناطق مختلفة من العالم ويهدد بردود فعل انتقامية لا تحمد عقباها ...
2 - هل يتناغم هذا العمل مع مبادىء وقيم الدين المسيحي ؟
----------------------------
ان هذا العمل الصبياني يتنافى كليا مع تعاليم وقيم ومبادىء الدين المسيحي السمحاء في المحبة والتسامح وقبول الاخر والغفران والاحسان حيث ان حرق المصحف الشريف ينم عن البغضاء والتعصب المقيت والتطرف والغاء الاخر وفيه اساءة للمسيحين اكثر من اساءته للاسلام لان فعلته تتقاطع مع تعاليم المسيحية لان كل مسيحي يؤمن بحرق القرآن غير متزن فكريا وروحيا ودينيا واخلاقيا ويساهم في نسف مبادىء التعايش السلمي والاخوي لاتباع مختلف الديانات في العالم ويعطي اشارات خاطئة للمتطرفين خاصة في الشرق الاوسط لتنفتح فوهة البركان بنيران هائلة يصعب السيطرة عليها لانها من المناطق والبؤر المتوترة سياسيا وقوميا ودينيا وامنيا ان مثل هذه الاعمال غير الشريفة من اقلية مسيحية ضئيلة ومتطرفة تهدد العلاقات بين المسيحيين والمسلمين ولا تساهم في حل المشاكل والتعقيدات او بناء الثقة والتفاهم في اوطانهم للعيش المشترك بين كل اتباع الديانات دون تميز وتفرقة وخاصة في الشرق الاوسط حيث ان المسيحية مهددة بالانقراض وفق مخطط مشبوه ...
3 - لماذا لا تقدم السلطات الامريكية في ولاية فلوريدا لمنع هذا الفعل المدان ؟
----------------------------
يفسر البعض ان مثل هذه الاعمال تدخل في اطار الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان التي يكفلها الدستور الامريكي لكن هذا العمل يتعدى حدود الحرية المتسامحة في امريكا ويمس كرامة وكبرياء مليار ونصف مليار مسلم في العالم وهل يعني مفهوم الحرية السائبة الغاء الاخر وقذف واهانة اعز مقدساته ؟ بطريقة نفث الغيظ والكراهية والانتقام حيث بموجب قوانين ولاية فلوريدا الامريكية لو تم تنفيذ حرق هذه النسخ من المصحف الشريف فعلا فأن الشرطة لا تتدخل لمنع ذلك الا بعد الانتهاء من عملية احراق المصاحف !! ولا يتم اعتقال اي شخص !! وتعتبر عملية الاحراق مخالفة بسيطة !! يعاقب عليها القانون في الولاية بفرض غرامات واصدار تحذيرات !! وان كل ذلك لا يشكل انتهاكا للقانون الفيدرالي الامريكي !! ...
ان السكوت على مثل هذه التصرفات غير المسؤولة من قبل هذه الفئة المتطرفة الصغيرة في امريكا يتنافى مع منطق حوار الاديان والحضارات والثقافات بين مختلف دول العالم وكذلك يتقاطع مع مبادىء وقيم احترام التنوع والاختلاف والحريات في امريكا حيث لا بد من وجود قوانين رادعة وحقيقية لحماية المقدسات والرموز والسلم والتعايش السلمي والتأخي بين كل المكونات الدينية والقومية ونبذ ومحاربة اي تصرف من شأنه الاخلال بمبدء المساواة والعدالة والانصاف بين المواطنين الامريكان ...
4 - ما هي النتائج المتوقعة لو تم تنفيذ احراق القرآن ؟
---------------------
تؤكد كل المؤشرات والتحذيرات والدروس السابقة ان كل مسيحي في مناطق التوتر والاحتقان في العالم وبشكل خاص في مناطق تواجد ونشاط الارهاب والتطرف سيصبح متهما وهدفا للانتقام والقتل ويمكن ان يتطور المشهد بقيام الارهاب والمتطرفون بحرق الاناجيل في بعض المناطق وحدثا مثل هذا لم نعهده من قبل حيث سيؤدي الى تدمير الثقة ومبادىء العيش المشترك بين اتباع الديانات ومن المتوقع ان يكون هناك حرب اعلامية يستعر نارها لتشجيع الانتقام فكيف سيكون سلوك ابنائنا في العراق وفلسطين ولبنان ومصر وتركيا والاردن وسوريا وايران وغيرها ؟ لان العلاقات المجتمعية سيتم تدميرها بالكامل ...
لو تم تنفيذ هذا العمل الخطير وكل ابناء شعبنا المسيحي في العراق يتذكر كيف كانت قلوبنا وافئدتنا تمتلىء قيحا والما واحتسارا عند تفجير كنائسنا ومقدساتنا وقتل رموزنا الدينيين وابناء شعبنا من قبل الارهاب والتطرف لانهم مسيحيين فقط ولغاية اليوم في بعض المناطق ؟ فكيف سيكون رد فعل اخوتنا المسلمين وهم يتفرجون الى احراق اقدس مقدساتهم ؟ ان مخاوفنا على نتائج مثل هذا العمل الطائش كبيرة لانها استفزاز واحتقار لكتابهم المقدس ...
5 - الخلاصة :
--------
ان وقوفنا وتضامننا مع اخوتنا المسلمين في هذا الموقف سيزيد من عدد المعتدلين ويهدء الاجواء والمناخات لتستنير القلوب والعقول بالمحبة والحكمة وقبول الاخر وفق مكارم الاديان السماوية التي تدعو الى التسامح والاعتراف بالاخر لانه استنادا لمبادىء تقارب وحوار الاديان يتوجب الثقة والاحترام المتبادل بين اتباعها ليتعامل الانسان مع اخيه الانسان بمحبة وتأخي دون تفرقة وتميز على اساس الدين ومن هذا المنبر الديمقراطي نضيف صوتنا الى كل اصوات شعبنا وقادتنا للمطالبة بألغاء تنفيذ هذا العمل حيث يستطيع القس تيري التعبير عن رأيه ديمقراطيا ومهما يكن في مختلف وسائل الاعلام لكن ليس بحرق المصحف الشريف لان حرقه شيئا مختلفا وعملا طائشا وعنصريا وغبيا .. حيث بحرقه سيحرق ويمزق قلوب وافئدة الملايين من المسلمين في العالم الما وحزنا
نطوان دنخا الصنا ...