عشاق الله

الصوم في التراث الإنساني

 

الصوم في التراث الإنساني  

ترجمة وإعداد :
أسامة أبو الوفا

يصوم الناس لعدة أسباب، فمنهم من يصوم تقربا لله كالمسلمين، ومنهم من يصوم للتكفير عن ذنب كاليهود، ومنهم من يصوم كموقف سياسي كالمهاتاما غاندي. 

فقد لجأ البشر للصوم لأسباب عديدة قد تتعلق بالزهد والسمو بالروح والجسد كالمتصوفة، والنساك الزاهدين أو كشعيرة دينية أو لأسباب أخلاقية أو صحية. 

والامتناع قد يكون كليا أو جزئيا وقد يطول زمنه ويقصر لفترة محددة وقد مورس الصيام منذ العصور القديمة من المرسلين وأتباعهم في مختلف الديانات، ومورس كذلك ِ من قِبل الأفرادِ أو المجموعات كتعبيرِ عن الاعتراض علي انتهاك حقوق اجتماعية أو أخلاقية أو مبادئ سياسية. 

وعرفت الجماعات البدائية القديمة الصيام من قِبل الأفرادِ المختارين لمهام تتعلق بالجماعة علي سبيل المثال (أفراد مختارون لتلقي المناسك - صيادون - زراع ) .

وفي الديانات القديمة في العهود الغابرة اعتبرت ممارسة الصوم وسيلة لإعداد الأفراد خاصة (الكهان والكاهنات) للتقرب من الآلهة، وفي الديانات الهيلينية (علي سبيل المثال عبدة اكليبوس آلهة الطب الشافي) ساد الاعتقاد بان الآلهة يلهم النبؤات الشافية في الرؤى والأحلام لمن صام بإخلاص شديد من كهنته. 

وشاع بين الكولومبيين الأوائل سكان بيرو اعتبار الصوم كفارة أو عقاب عن الذنوب والخطايا بعد اعتراف الفرد بها أمام الكاهن، وفي العديد من الحضارات القديمة عد الصوم وسيلة ناجعة لرفع غضب الآلهة أو لإعادة بعث إله بعد موته علي سبيل المثال ( رب النبات ) . 

في الديانات التقليدية ( قبل معرفة البشرية للتدوين) مورس الصوم غالبا قبل وأثناء طلب الرؤية(علي سبيل المثال هنود شمال أمريكا سكان السهول الكبرى وشمال غرب الباسفيك) .

وفي الديانة الشامانية يعتقد معتنقوها في القدرة علي الشفاء بالاتصال الروحي مع الشخصيات الدينية القادرة علي الرؤية والتي اكتسبت هذه القدرة بعد إصابتها بأمراض لا يمكن تفسيرها- الشائعة بين الفنك سكان سيبريا اعتاد أصحاب الرؤى الصوم بعد الرؤية الأولى للتدريب علي رؤى أكثر عمقا والسيطرة علي قدراتهم الروحية. 

وعرف الصوم عند الهنود الحمر سكان جنوب غرب أمريكا كمظاهر مصاحبة للاحتفالات عند تغيير الفصول الموسمية، وفي جميع الديانات العالمية الرئيسية يعد الصوم لأغراض خاصة أو في أوقات لها قداسة خاصة خاصية مشتركة بينها.وفي اليانية علي سبيل المثال يعد الصوم وفقا لقواعد خاصة وممارسة أنواع معينة من التأمل طريقة أكيدة يصل ممارسها لحالة السمو والارتقاء. 

ويصوم الرهبان البوذيون أياما محددة مقدسة من كل شهر. 

في الصين حتى عام 1949 كان مألوفا ملاحظة فترة محددة للصوم والانقطاع قبل التضحية في ليلة الانقلاب الشتوي قبل أن يبدأ الإله يانج (القوة الموجبة) دورة جديدة. 

وفي الهند امتدح الكهنة الهندوس لكثرة صومهم الشخصي لأسباب متعددة.ومن بين الديانات جميعها انفردت الزارادشتية بتحريم الصوم لاعتقادها أن هذا النوع من الزهد لا يساعد علي تقوية المؤمن في جهاده ضد الشيطان. 

في جميع الأديان السماوية ( اليهودية - المسيحية- الإسلام) تأكيد علي حتمية الصيام خلال فترات معينة من العام وان اختلف مفهوم الصوم ودلالته في كل ديانة . 

فنجد في اليهودية، التي احتوت العديد من القوانينِ والتّقاليدِ الغذائيةِ بِضْعَة أيام سنوية للصيام، واتسمت أوقات الصوم عند اليهود بارتباطها بإحياء ذكري نكبة أو كارثة في التاريخ اليهودي بغرض الندم والتوبة والتكفير ولكل منها ما يعبر عنة في الطقوس الدينية .وهكذا نجد اليهودي لا يعيش ثانية المأساة التاريخية لقومه مع كل صوم لكنه يجدها فرصة مواتية للبحث في الذات لنفسه ولقومه في الماضي والحاضر. 

وتتلى صلوات التوبة والكفارة في جميع أوقات الصوم وتقرأ التوراة في الصلاة العامة صباحا وبعد الظهيرة، ومن اشهر أيام الصوم عند اليهود و أقدسها صوم يوم كيبور/ الغفران) ويبدأ من وقت الغروب إلى غروب اليوم التالي مع انقطاع عن الطعام والشراب والجنس وأية أعمال دنيوية خلاف التعبد. 

والهدف من صوم هذا اليوم أن تكون توبة وندم الفرد والجماعة وتطهرهم بالتغاضي عن خطايا وآثام الآخرين والتوبة المخلصة لكل فرد عن آثامه وذنوبه في حق الرب سببا لرضاه عن عبادة وتنشد عقب الصلوات قصائد المراثي. 

وهناك أيام صوم أخرى مثل صوم داود أحياء لذكري بداية حصار القدس من قبل الملك البابلي نبوخذنصر( سنة 588 يهودية قبل الشتات) وصوم تموز ذكري بداية هدم أسوار القدس من قبل الرومان ( سنة 70 يهودية بعد الشتات ) .

وصوم آب ذكري تدمير الهيكل بالتقويم اليهودي وهو أكثر أوقات الصيام إجلالا ويشتد فيه الحزن وإنكار الذات أكثر من أوقات الصوم الأخرى ويبدأ الصيام فيه من غروب الشمس مثل يوم الغفران، ويقرأ اليهود عقب الصلوات الليلية في كتاب العويل يتبعونها بترديد أشعار النحيب. 

وهناك صوم جيدا لذكري اغتيال جيداليا حاكم جيداه بعد تدمير الهيكل الأول، وصوم استير ذكري الملكة اليهودية الصالحة استير وابن عمها مردخاي وقصتهم مع وماادياه من فضل عظيم لليهود وتخلصهم من أعداء اليهود وموعده يومي الرابع عشر والخامس عشر من آذار/مارس كل عام. 

ونجد في المسيحية خاصة طائفة الروم الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيين هناك فترة صيام ملزمة طوال الأربعين يوما السابقة لعيد الفصح (القيامة عند الشرقيين) وخلال الفترة التي تنتظم أيام الأحد الأربعة السابقة لعيد الميلاد وتتميز الكنيسة القبطية المصرية عن الكنائس الأخرى بطول وتعدد فترات الصيام طوال العام وفي فترة الصيام يقتصر طعام الصائم علي وجبة واحدة في اليوم يسمح له بتناولها مساء عند إفطاره وأخري خفيفة قبل بدء صيام اليوم ويكون الطعام خاليا من اللحم والسمك والبيض والزبد. 

وفي طائفة الروم الكاثوليك أدخلت عدة تعديلات منذ موافقة مجلس الفاتيكان علي السماح بالاختيار في فترات الصيام علي أن يكون الصوم إلزاميا أول يوما ويوم الجمعة الحزينة في فترة الصوم الكبير. 

وفي الكنائس البروتستانتية بشكل عام ترك اتخاذ قرر الصوم وفقا لرأي أعضاء كل كنيسة. 

وفي الإسلام شهر رمضان هو شهر الصيام في الدين الإسلامي، الصوم ركن من خمسة أركان للإسلام والغرض منة تقوي الله وتزكية النفس - وترتيبه الشهر التاسع في الشهور العربية وفية أيضا انزل القراّن هدي للناس وفرقان. 

وفرض الصيام علي كل مسلم يشهد الشهر وتتحدد بداية الشهر ونهايته وفقا لرؤية الهلال ويستمر الصوم طوال الشهر من الفجر إلى غروب الشمس ويمسك الصائم عن الطعام والشراب وإتيان النساء ويكثر من قراءة القرآن والصلاة المفروضة والنافلة كالتراويح وصلاة التهجد وغيرها من الصلوات ويجتهد لختم القران في ليلة السابع والعشرين من الشهر تبركا بليلة القدر أحد ليالي العشر الأواخر من الشهر ويستجاب فيها الدعاء للمؤمنين، وهناك أيام أخرى يكون الصيام فيها تطوعا مثل أيام عاشوراء ووقفة عرفات وبداية شهري رجب وشعبان ومنتصف هما وأيام اكتمال القمر منتصف الشهور العربية وغيرهم الكثير وأياما أخرى للصيام ككفارة عن أخطاء قد يرتكبها المؤمن. 

وبالإضافة للدور الديني للصيام استخدم منذ بداية القرن العشرين للتعبير عن وجهات نظر سياسية واجتماعية كاحتجاج أو تضامن، ويعد المهاتما غاندي رائدا في هذا المجال فمنذ بداية القرن العشرين بدا صياما في سجنه للتكفير عن قومه لعدم إتباع مذهبة السلمي في مقاومة الاحتلال الإنجليزي لبلاده (المقاومة السلبية)، ولجوئهم لسياسة العنف وتعدد صيامه بعد ذلك في ظروف مشابهة منها صيامه الشهير لإجبار الحكومة لرفع الظلم عن طائفة من الهنود السيخ. 

واستخدم الصوم عديد من المرات للاحتجاج علي الحرب وما اعتبر شرا اجتماعيا وعدم عدالة كما حدث من نجم الكوميديا الأمريكي الزنجي ديك جريجوري عام 1960 م احتجاجا علي انتهاك الحقوق المدنية للهنود الأمريكيين وضد النشاط العسكري الأمريكي في جنوب شرق أسيا وفي عام1981 م توفي عشرة من القوميين الأيرلنديين في سجن بلفاست عاصمة ايرلندا أثناء إضراب عن الطعام لتذكير العالم بهم وبقضيتهم كمسجونين سياسيا.