عشاق الله

محبة الجار من مفهوم مسيحى عربى

محبة الجار من مفهوم مسيحى عربى

المطران منير حنا أندس

محبة القريب هى وصية الهيه وردت أولاً فى سفر اللاويين الذى هو أحد اسفار التواره أو العهد القديم كما نسميه نحن المسيحيين ، ثم وردت مرة ثانية فى انجيل لوقا فى حوار بين المسيح وناموسى يهودى كان يحاول أن يجرب المسيح ويوقعه فى مأزق لاهوتى يكفى لاتهام المسيح والايقاع به فى مأزق يبرر اضطهاده.

فالقصة تحكى أن الناموسى سأل المسيح " ماذا أفعل لارث الحياة الابدية؟ " فأجاب المسيح متسائلاً " ما هى اجابة ناموس موسى لهذا السؤال؟ " وهنا أجاب الناموسى قائلاً " تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك " فقال له المسيح بالصواب أجبت. افعل هذا فتحيا " ، فلما لم يجد الناموسى فى اجابة المسيح شيئاً يمكن أن يؤخذ ضده ووجه سؤالاً اخر للمسيح فقال " ومن هو قريبى " وهنا حكى المسيح قصة رجل يهودى تعرض لاعتداء بواسطة قطاع الطرق الذين سرقوا كل امواله وتركوه على قارعة الطريق بين حى وميت ، فمر عليه كاهن يهودى لكنه لم يحاول ان ينقذه ثم مر عليه لاوى ، واللاوى هو الشخص الذى يخدم فى الهيكل ، وهذا مر دون ان يمد يده لمساعدة اليهودى ثم مر عليو سامرى فتوقف وضمد جراحاته وحمله على دابته إلى فندق حيث أوصى صاحب الفندق ان يعالجة ويعتنى به على نفقته الخاصة. ومن المعروف ان اليهود كانوا يعتبرون السامرين اعداءاً نجسين ولا يجب التعامل معهم. وهنا سأل المسيح الناموسى " من هو قريب اليهودى فى هذه القصة؟ " فأجاب الناموسى قائلاً " الذى صنع معه الرحمة أى السامرى فقال له المسيح اذهب أنت ايضاً واصنع هكذا. "

وفى هذه القصة نجد مبادئ هامة أن بتجيب على عدد من الاسئلة منها :
+ من هو القريب أو الجار الذى يجب علىّ أن احبه؟
+ وكيف أحب هذا القريب؟

والاجابة نجدها فى المثل او القصة التى حكاها المسيح ، فالقريب او الجار ليس فقط الشخص الذى ينتمى إلى ديانتى فالسامرين لم يكونوا يهوداً وليس هو الشخص الذى ينتمى إلى عائلتى أو قبيلتى بل والاكثر من ذلك فالقريب فى نظر المسيح ليس هو بالضرورة صديق أو حبيب انما هو إنسان ربما يكون أياً مما سبق وربما يكون الشخص الذى اعتقد أنا أنه عدو أو غريب أو نجس لكنه انسان مثلى خلقه الله على صورته وعلى شبهه.

وهنا يأتى السؤال كيف أحب هذا القريب أو هذا الجار؟ او ليس صعباً أن أحب عدواً او غريباً؟ وكيف يمكن ان احب شخصاً لا اعرفه فى المقام الاول؟

وهنا نجد فى الجزء الاول من الوصية مفتاح الاجابة على هذا السؤال ، وهذا المفتاح هو محبة الله. فمحبة الله هى المصدر الوحيد والاساسى لمحبة القريب. إن كنت أحب الله فعلاً فلابد أن ينعكس هذا على حبى وخدمتى للآخرين ، لأن الوصية تقول تحب الرب الهك وتحب قريبك كنفسك.
ويؤكد القديس يوحنا على هذا فى قوله " إِنْ قَالَ أَحَدٌ: "إِنِّي أُحِبُّ اللهَ" وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ وَلَنَا هَذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضا " ( ايو4: 20- 21)

والقصة ايضاً توضح لنا كيفية محبة القريب أو الجار. فالسامرى عرض نفسه للخطر ذاته وهو ينقذ اليهودى حيث كان من الممكن أن يعتدى عليه قطاع الطرق الذين اعتدوا على اليهودى. فمحبة الجار يمكن ان تعرضنى أنا للخطر والانتقاد حتى من اخوتى وابناء ديانتى الذين يمكن أن يسألوننى كيف تحب هذا القريب أو هذا العدو؟

ثم أن محبة الجار هى محبة مكلفة حيث تكلف السامرى عناء حمل اليهودى وتكاليف علاجه. نعم إن الجار او القريب هو الشخص الذى يشاركنى الانسانية لكن ربما لا يشاركنى الديانة أو العقيدة وأن مصدر محبة الجار هو محبة الله القدير واننى يجب ان احب جارى مهما كانت التكلفة لانها وصية الله التى إن اطعتها نلت الحياة الأبدية.

والسؤال الذى يبرز أمامنا الآن هو كيف أعيش وصية محبة الجار أو القريب كمسيحى عربى اعيش فى وسط مسلمين هم أخوة فى الانسانية؟ وكيف تكون محبتى محبة عملية؟

وهنا استمد الاجابة من مثل المسيح للناموسى اليهودى ، فإن كنت كمسيحى أحب الله من كل قلبى ومن كل نفسى ومن كل قدرتى ومن كل فكرى فعلى أن أحب اخى المسلم الذى اعرفه و الذى لا اعرفه حتى لو ظننت أنه لا يحبنى. فالمسيح الذى اتبعه يقول " لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟." ( مت5: 46)

ومحبتى لاخوتى المسلمين تدفعنى أن اخدمهم وأن اقدم لهم ما يحتاجون. والمسيح الذى احبه علمنى هذا فهو الذى جال يصنع خيراً للجميع بدون تفرقة فلقد شفى هؤلاء الذين تبعوه والذين لم يتبعوه واشبع كل الجياع دون تميز.

وهذا ما تفعله الكنيسة الأسقفية (الانجليكانية) فى بلادنا من خلال المستشفيات والمدارس ومراكز خدمة وتنمية المجتمع ، فهذه تخدم الجميع مسيحيين ومسلمين ولذلك نسمى هذه المؤسسات اذرع السامرى الصالح التى تقدم المحبة العملية لكل ابناء المجتمع خاصة اخوتنا المسلمين.

وربما يسألنى البعض كيف أتوقع أن تكون محبة جارى المسلم لى؟
وهنا أود أولاً : أن اعبر عن خالص تقديرى وشكرى للدعوة التى قدمت للمسيحيين من حوالى مائة وثمانون عالماً اسلامياً على رأسهم الاخ والصديق العزيز فضيلة ا. د. على جمعه مفتى الجمهورية ، وعنوان هذه الدعوة " تعالوا إلى كلمة سواء " وهى تؤكد أن جوهر الدين الاسلامى هو فى محبة الله ومحبة الجار. وهذا الجوهر هو الارضية المشتركة التى تساعدنا أن نتلاقى على كلمة سواء.

ثانياً : أننى لا أتوقع أو أن اشترط استجابة لمحبتى لاخوتى المسلمين لأن هذا يتعارض مع تعليم المسيح الذى سبق أن ذكرته ولكن إن سألنى اخوتى المسلمين كيف نحبك ايها الجار المسيحى العربى؟ هنا اقول يكفى أن تنظروا لى كواحد من أهل الكتاب الذى يعبد الله الواحد وبالرغم من اختلاف عقيدتى وإيمانى عن العقيدة الاسلامية.
فقبول التنوع يمنع تكفير الاخر ويعطى مساحة لحرية العقيدة الامر الذى يؤكده القرآن الكريم فى الآية " لا اكراه فى الدين "

ومحبة الجار تظهر بوضوح فى معاملته بالعدل ومساوته فى كل ما اتمتع به من حقوق انسانية وهنا أود أن اشير إلى أن الدستور المصرى يؤكد حق المواطنة بغض النظر عن الدين والعقيدة إلا أن التطبيق الفعلى لحق المواطنه يحتاج إلى وعى وقبول الشعب لهذا الحق. ويتطلب ايضاً جهد شاق من كل القيادات السياسية والدينية خاصة من اخوتى علماء المسلمين. وهذا سوف ييسر مهمة الدولة فى اصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة دون خشية ردود الافعال المتعصبة وسيمنح فرص متساوية للمسيحين فيتشجعوا أن يشاركوا فى العمل السياسى والقومى كما كان يحدث فى العصور الماضية ويبدأ شبابنا فى استعادة قوة الانتماء لبلادنا الحبيبة مصر الامر الذى سيوقف ظاهرة هجرة المثقفين والعلماء المسيحيين من الشرق الأوسط.

إن تغيير المفاهيم خاصة على مستوى العامة أمراً صعباً خاصة فى هذا الوقت الذى تلوث فيه بعض وسائل الاعلام خاصة بعض القنوات الفضائية عقول البشر حيث نجد ازدياد فى التعصب والفرقة.
إن نشر مفهوم حب الجار الذى هو أساس دعوة " تعالوا إلى كلمة سواء " سيدعم ويروى وحدتنا الوطنية التى تمتد اصولها منذ اربعة عشر قرناً من الزمان ، إلا أن نشر هذا المفهوم يحتاج أن نبدأ مع اجيالنا الجديدة ، مع اطفالنا ، حتى يصبح غداً اكثر اشراقاً.