عشاق الله

مسلمون في كنيسة...

مسلمون في كنيسة

بقلم الدكتور جورج كلاس

من وصايا والدي الدركي، حضنه الله، وكان يعرف معنى التعددية في لبنان، قوله لي مرّة واحداث لبنان في بداياتها: "يا ولدي، لا تخف من الذي يخاف ربّه"

يومها، حفظتُ وما فهمت كثيرا ابعاد ما يقول، ثم عرّفتني الايام وتقلبات الاحوال، ان مقصد والدي من ظاهر كلامه، ان المؤمنين اخوة بالله، وان المضمر في حديثه ان (طائفة الاوادم) موجودة في جميع الاديان والمذاهب، وان التعامي عن ذلة (القريب)، خطيئة عظيمة، يضاهيها شرودا عن الحق، التعامي عن فضيلة (الغريب)، وهذه كبرى الكبائر.

تعلّمت من كتاب ابي، وكان دركيا من حرّاس الكرامات، الا اغمض عيني عن حق، والا اربط لساني عن مدحة او لومة، لأنني من مدرسة اخلاقه وهو الذي خبر في حياة الجندرمة لذة ان يأكل المسيحي من صحن المسلم، وان يشرب المحمدي من نبعة النصراني، وان يكون هذا في دارة ذاك، فيفرح لفرحه ويتوجع لوجعه!

حمّلني ابي مسؤولية ان اكون مسيحيا، وجديرا ببنوة الكنيسة، وبميرون التقديس علي جبيني، وامينا لنقاوة تعاليم الانجيل... ذلك ان لاهوت والدي المبسّط يعتبر ان المسيحي، مؤتمن على صورة المسيح في حياته ومجتمعه، كما المسلم مؤتمن على صورة الاسلام وتعاليم القرآن. وان عليهما الا يعتبرا ان دينهما لهما حصرا، لان تعاليم الربّ في ملفوظاته ومنزلاته، نعمة للطيّبين، بل هي مشاع رحمة ربانية مفتوح للقلوب النقية القاصدة سلامية الله.

***

حرّكتني على هذا الاسترجاع نقاوة صورة من صورة الحياة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين، اطارها كنيسة في احدى بلدات كسروان - الفتوح، واشخاصها، افراد عائلة مسلمة، اتو من بعيد حاملين البسمة، للمشاركة في عرس صديق لهم فقاسمونا البركة وكانوا يقفون اذ نقف ويجلسون اذ نجلس... ينصتون لكلام الرب، ينخرطون في الفرح الايماني، يصلون في قلوبهم، ونتواصل بعطر البخور وبدعاءات الترجّي، ونفرح لان لبنان الاصيل، اطل من جديد من على مقاعد كنيسة مارونية في فتوح كسروان.

***

الصورة التي اظهرها ليست صورة نافرة، او استثنائية، لكنها ايقونة حية، رائحة الرب فيها، ادعو الى التلذذ بها، وجعلها واحدا من عناوين يوميات لبنان الابيض... ولنا ان نتساءل برجاء متى تصبح بيوت الله مشاعا ايمانيا مفتوحا لكل ابناء الله، فيصلي المسيحي في الجامع، ويصلي المسلم في الكنيسة، ونتشارك بالابتهال والدعاء وصلاة الرجاء، ونتوحّد بدقات التضرّع وبالضرب على الصدر، طلبا لنعمة ورجوة لشفاعة طرية تبعدنا عن يباس الفرقة، والكلام الخشب الذي لا يفهمه غير قائله.