عشاق الله

أنت تؤمن أن الله واحد، حسنا تفعل، والشياطين أيضا يؤمنون ويرتعدون

 

أنت تؤمن أن الله واحد، حسنا تفعل، والشياطين أيضا يؤمنون ويرتعدون


الاختباء تحت عباءة التوحيد والجهاد باتت موضة قديمة لا تجدي نفعا بإخفاء نوايا قوى الشر والظلام ، فقد تهرأت تلك العباءة الكيماوية وانكشف ما تحتها من سموم خطرة وسهام قذرة تحمل الحقد والخبث لكل ما هو رائع وجميل على وجه الأرض.


كمْ دم أريق باسم الجهاد وكمْ عائلة هـُجرتْ باسم التوحيد وكم رقبة طفل وطفلة نـُحرتْ تحت صيحات الله أكبر لا إله إلا الله وكم امرأة وفتاة هـُتك سترها ومـُزّق جسدها تحت تهديد السلاح باسم الدين وتحت عنوان الحرب على الكفر والكافرين ؟؟


!! أيّ جهادٍ هذا الذي تـُنتهك الأعراض وتـُسفك الدماء البريئة فيه وتـُهدر حرماتها المقدسة ؟؟
أيّ دعوةٍ للتوحيد تلك التي تـُـنـتزع بالقوة والإكراه من الناس حتى لو افترضنا جدلا أنّ المدعوين مشركين أو ليسوا موحدين ؟؟


وهل الله محتاج لأن تؤمن بهِ مخلوقاتهِ طوعا أو كراهية ؟؟


الله هو المنزّه المتعالي عن حاجتهِ أو احتياجهِ للعباد ولو شاء جلــّت قدرتهُ لجعل الخلق أجمعهم مؤمنين بهِ على مذهب ودين واحد ، لكنهُ ترك لنا حرية الاختيار حكمة وبصيرة منهُ، إذ رسم لنا الطريق ووضع لنا الحدود تاركا لنا حق الاختيار وأوصانا ألا يعتدي أحدنا على الآخر وألا يتعدى كلّ منـّا حدودهُ، فليس من المنطق أو المعقول أن نريق دما أو نجبر أحدا للانتماء الى دعوتنا أو حركتنا بحجة أننا غيورون على الله داعون إلى الأيمان بهِ من خلال ما نعتقد نحنُ.


إنْ كان الإيمان بالله دون العمل بمدلولاتهِ لا يـُغني المرء ولا ينفعهُ شيئا ، فما قيمة أن يـُقتاد إليه الإنسان بالقسر والتهديد ؟؟


بالتأكيد أن معظم البشر على مختلف عقائدهم ودياناتهم يؤمنون أن الله واحدٌ أحدٌ وهو موجود أزلي وحدهُ لهُ حق العبودية والتأليه؛ ولكن هل هذا الإقرار اللفظي أو حتى الأيمان القلبي بهِ يمنحنا الحق والتفويض بقتل الآخرين واضطهادهم لأنهم لا يتبعون ملتنا أو لأن فلسفتهم اللاهوتية تختلف عنــّا في كيفية فهم الدين ومعنى الأيمان والتوحيد ؟؟


وهل كلّ منْ قال أن الله واحد تعتبر لهُ مندوحة وتذكرة جواز عبور إلى الجنة ؟؟


أليس هذا النوع من المتشدقين بوحدانية الرب هم الذين خاطبهم المسيح عليهِ السلام بقولهِ ؟؟
(( أنت تؤمن إنّ الله واحد حسنا تفعل ، والشياطين أيضا يؤمنون ويرتعدون ))


من الواضح أن السيد المسيح أراد أن يعطي درسا بليغا لكل منْ يفخر أو يدّعي متبجحا بأنهُ مؤمن بوحدانية الله، ليقول لهُ إنّ إيمانك كإيمان الشياطين الذين يعرفون الله ويرتعدون منهُ أيضا لكنهم مبتعدون كل البعد عن الناموس والشريعة.


ما فائدة هذا الإيمان إذن ؟؟


قطعا الإيمان بهذا الشكل وبهذا المفهوم لا يعدو كونهُ زيفا وضربا من الوهم لأن ثمارهُ فاسدة وعديمة الجدوى فهو لصاحبهِ خبثٌ ونفاق ولمجتمعهِ بلوى وشقاق.


هؤلاء ممن يعتقدون أنفسهم مؤمنين إنما يوهمون أنفسهم وغيرهم من الساذجين فقط ، فأكاذيبهم لا تنطلي على رب الجلالة والكون حيث رد عليهم مقالتهم وكذب دعواهم بصريح قرآنهِ الكريم واصفهم بحقيقة أيمانهم المزعوم:


(( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّـا يدخل الإيمان في قلوبكم ))


الإيمان الذي يجرّد الإنسان من إنسانيته وينزع الرحمة من القلب ليس بإيمان. بل هو عين الكفر والضلالة والاستهتار بحقوق البشر وما تلك الخزعبلات التي يتفيهق بها المتفيهقون إلا من صنع دعاتها وما أنزل الله بها من سلطانٍ قط.


الله ملك الرأفة والرحمة والصفح والسكينة ورحمتهُ وسعت كلّ شيء لم يستثن أحدا من عبادهِ. ومنْ تتقاطع مفاهيمهُ وأفكارهُ مع تلك السمات والصفات التي نسبها الخالق لنفسه فلاشك هو أفــّاكٌ مبين.


ثم وا عجبي كل العجب من عقول خرفة تتوفر لديها الرغبة بأن يدور العالم بأسرهِ في فلكهم المظلم باستخدام القوة والبطش في حين أنّ الله نفسهُ لم يرغم إبليس على الانصياع لأمرهِ بالقوة ؟؟


ولو كان هذا الداعية أو ذاك مقتنعا بأطروحتهِ واثقا من نفسهِ فلماذا لا ينزل بها إلى طاولة النقاش... لماذا لم يلج بها ساحة الصراع الفكري الهادئ ؟؟
لماذا يترك منهج الحوار الحضاري الديمقراطي فيلجأ إلى استخدام السيف والحزام الناسف؟؟
أليس هذا لضمور العقل وعجز الفكر ؟؟؟
وهل بهذا المستوى الضحل والسلوك الحيواني المبتذل الذي يعتمدهُ دعاة الجهاد بأنهم سيغيرون العالم وينقلونهُ الى صفوفهم ؟؟
ثم أليس من المخزي والتعدي على عظمة الجليل أن يدعي أحدا أنه بممارسة تلك الفضائح أنه يدافع عن الله ؟؟
ومتى كان الله محتاجا لأحد ومنْ ذا الذي يستطيع أن يسلبهُ حقهُ ، وكيف يحتاج سواعد القتلة والزناة ليستردوا له ما سُلب منه ؟؟
أليس من حق الأستاذ سمير أسطيفو شبلا وغيرهِ أن ينكر معرفتهُ لهذا الإله المتهم بالضعف ؟؟
ثم يعرّج الأستاذ سمير في مقالهِ (( المسيحي لا يؤمن بالجهاد )) المنشور في موقع بوابة نركال من أن الله قويا قادرا متمكنا وهو رب كلّ مسيحي أيـّا كان مذهبهُ
ونحنُ معهُ في الرأي لا نعرف إلا إلها واحدا قهارا جبارا شديد البأس والقوى لا سلطان فوق سلطانهُ فهو ربنا ورب الناس أجمعين ، هو رب آدم وعيسى وموسى ومحمد
أما لو قال قائلٌ أنّ الجهاد في سبيل الله لا يعني مفهومهُ دفاعا عن الله بل هو جهاد في طريق الله وأن كلمة السبيل مشترك لفظي لها معنيان مختلفان ، فالحكمة والمنطق والعقل تقول أن القتل العشوائي بالعجلات المفخخة واغتصاب النساء المسيحيات والمسلمات وقتل الناس الغير مسلمين لا تنسجم وطبيعة الخالق المتمثلة بالمحبة والعدل والسلام
كذلك لم يطلب الله من أنبياءه أو رسلهِ أن يجمعوا إليه العالم تحت تأثير السلاح والسيوف وقطع الرؤوس ليتلذذ بعبادتهم لهُ ، فالله غنيّ عن ذلك وحاشا لهُ أن يوصف بهكذا لون من السلوك المج.
إنّ لمثل هذا الفكر الرائع الذي يحملهُ أستاذنا العزيز سمير أسطيفو شبلا في رفضهِ العنف والتعدي ودعوتهُ للمحبة والتعايش بسلام مع الآخر حقا متمثلة بأدب الوحي وخلق الأنبياء. ولكن أيضا نوجّه عتبنا إليهِ لأننا نعتقد أنهُ ظلم الأستاذ أحمد الياسري مدير تحرير صحيفة العراقية لأنهُ أيضا كان منتقدا لأسلوب وسلوك تلك الجماعات التي تفرض رأيها بالقوة والتهديد ولا نعتقد أنهُ أراد أن يحصي عددا أكبر من القراء بنشرهِ مقال (( مواطن مسيحي ينتمي لحركة الجهاد )) لذلك أود أن أحيطهُ علما بأن الأستاذ الناقد والشاعر أحمد الياسري مطارد ومطلوب من قبل الإرهابيين وهو من خيرة الكتـّاب والأدباء الرافضين للتعصب الهمجي والتطرف الديني
للأستاذ سمير أسطيفو والأديب أحمد الياسري ولكلّ العقليات النيـّرة نتمنى مزيدا من العطاءات والجهود العظيمة لنبذ التفرقة والوحشية والفتنة الطائفية آملين أن يسود العالم المحبة والسلام


ياس خضير محمد الشمخاوي
الأمين العام رئيس منظمة حوار الديانات
البريد الألكتروني [email protected]