عشاق الله

إلـى مــــتـى؟

 

إلـى مــــتـى؟

محمد السماك / عضو لجنة الحوار المسيحي   - الإسلامي

  ما هو شعور الانسان المسلم عندما يعتلي منبراً دولياً في مدينة من مدن العالم الغربي ليحاضر في ازمة العلاقات الاسلامية - المسيحية والعلاقات الاسلامية - الغربية؟اي منطق يعتمد؟ واي مادة يقدم؟ وكيف يكون وقع كلامه على الجمهور الذي يستمع اليه بعد ان يكون هذا الجمهور قد ملأ عينيه بمشاهد تعرضها شاشات التلفزة عن مجازر ترتكب هنا وهناك باسم الاسلام وبحجة الدفاع عنه؟ اي لغة يمكن استخدامها في مخاطبة جمهور اوروبي قرأ صحف الصباح قبل ان يحضر الى القاعة المخصصة لالقاء المحاضرة واطلع على ما فيه من وقائع وتعليقات وصور عن مجزرة الاطفال في مدرسة بيسلان في اوسيتا الشمالية مثلاً؟ او عن خطف عاملتين اجتماعيتين ايطاليتين في العراق بعد قطع رأس صحافي ايطالي كان متعاطفاً مع القضية العراقية ومعارضا لسياسة حكومته؟ او عن مأساة الصحافيين الفرنسيين اللذين خطفا في بغداد وطلب خاطفوهما فدية هي تراجع الحكومة الفرنسية عن قانون الحجاب متجاهلين موقفها المبدأي من معارضة الحرب على العراق؟ او عن ذكرى 11 ايلول 2001 حيث سقط حوالى ثلاثة آلاف انسان بريء باسم الانتقام الاسلامي. او عن نسف السفارة الاوسترالية في العاصمة الاندونسية جاكرتا بعدما فقدت اوستراليا 88 قتيلاً من شبابها في مجزرة بالي المفجعة؟ او عن مئات الآمنين الابرياء في قطار مدريد عندما كانوا يتوجهون في ساعات الصباح الاولى الى اعمالهم سعياً وراء ارزاق عائلاتهم؟هل يكفي ان نقول لجهمهور غارق حتى اذنيه في هذه الوقائع الراعبة والمتكررة، ان الاسلام بريء من كل ما يجري باسمه؟ الا يحق لهذا الجمهور ان يسأل اذا كان صحيحاً ان الاسلام بريء فلماذا لا يتظاهر المسلمون في العالم الاسلامي ضد ما يُرتكب باسمه؟ واذا كانت هناك اصوات اسلامية ترفض هذه الجرائم وتندد بها، فلماذا تُخنق ولا تُسمع سوى حشرجتها؟ ماذا يعني استعداء الشرق (روسيا وقبلها الهند) والغرب (اوروبا وقبلها اميركا)؟ هل ان كل هذا العالم متآمر على المسلمين ويريد بهم شراً والمسلمون براء من كل ما يجري؟ الى متى نتجاهل طرح هذه الاسئلة ومواجهتها بجرأة وموضوعية؟ ومتى ننكب على معالجتها لتصحيح صورة الاسلام مما اعتراها من تشويه واساءة؟والى متى نجد انفسنا في موقع المضطر الى الدفاع عن الاسلام امام انفسنا وفي المحافل الدولية مما يُنسب اليه من تهم وافتراءات؟

والى متى نتلو على انفسنا وعلى العالم ما جاء في القرأن الكريم من ان "من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً". وان المسلم كما وصفه رسول الله محمد عليه السلام هو "من سلم الناس من يده ولسانه"؟الى متى نردد ان الجريمة الام 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة لا تمت الى الاسلام بصلة وان مشاركة مسلمين في ارتكابها او قيامهم بذلك لا يغير من جوهر الامر شيئاً؟والى متى نردد القول ذاته بشأن جريمة نسف القطار في مدريد باسبانيا؟ ومن قبلها جريمة نسف محطة مترو الانفاق في باريس بفرنسا؟ وبعدها سلسلة حوادث التفجير في روسيا والمغرب والسعودية واندونيسيا وسوريا.. و.. و.. الخ؟

الى متى نعود ونكرر ان لا علاقة للاسلام بجريمة قتل السياح الابرياء في جزيرة بالي بأندونسيا ومن قبلها في الاقصر بمصر، وان لا علاقة للاسلام بجرائم خطف الاعلاميين والسواقين وعابري السبيل في العراق وقطع رؤوسهم والقاء جثثهم في النهر وعلى قارعة الطريق؟

الى متى نذكّر بأن الاسلام يمنح الاسير المقاتل حق الصدقة بل وحق القيلولة ايضاً؟

الى متى نقول ان الاسلام بريء من التهديدات التي توجه باسمه الى هذه الدولة الاوروبية او تلك؟ او الى هذه الدولة الآسيوية او تلك؟

والى متى نعيد ونذكر بعهد رسول الله لاهل الكتاب عامة وللمسيحيين خاصة، بأن لا تُمس كنائسهم واديرتهم او رهبانهم بسوء لانهم  "اقرب مودة للذين أمنوا" كما جاء في القرآن الكريم. وان جميع الخلفاء الراشدين عملوا بسنته من بعده وجددوا التزامهم خطياً هذه العهود والتزموها, وكان من ابرزها العهدة العمرية في القدس، وبالتالي فإن الاعتداء على الكنائس، كما جرى في العراق - والاعتداء على الرهبان كما جرى قبل ذلك في الجزائر -، لم يكن مجرد اعتداء على بيت من بيوت الله فحسب او على قساوسة ورهبان امتدحهم القرآن الكريم ولكنه كان اعتداء على قيم الاسلام وتعاليمه ومبادئه؟

الى متى نكرر القول ان الاسلام دين سلام ومحبة وتعارف بين الناس الذين خلقهم الله من نفس واحدة. وان جوهر العقيدة الاسلامية يقوم على اساس احترام الاختلاف والتعدد والتباين، وان الحكم للّه وحده يوم القيامة. وان الدعوة الاسلامية الى الله لا تكون الا بالتي هي احسن. وان الله يأمر المسلمين جميعاً بالقول السديد الذي به يصلح اعمالهم في الدنيا ويحسن جزاءهم في الآخرة؟

الى متى نضطر الى ترديد هذه المبادئ العامة في الاسلام في كل مرة يصدر عن هذه الجهة او تلك من الجهات التي تدعي انها تقاتل من اجل الاسلام، قول او عمل او موقف يمعن في الاسلام طعناً وتجريحاً وتشويهاً؟الى متى ننبه ونحذر من انه اذا كان للاسلام اعداء وهم كثر، فان من الد اعدائه ابناء له يقدمون بسوء سلوكهم (عن جهل او عن قصر نظر)   المادة التي تلهب حماسة المتربصين به شرا وتبرر لاعدائه، امام انفسهم وامام الآخرين، الحرب العشوائية التي يشنونها عليه؟

الى متى يتوجب علينا ان نؤكد على الثوابت الايمانية في الاسلام، وان من هذه الثوابت احترام الكرامة الانسانية في المطلق، واحترام حرية الانسان في الايمان واحترام قرار الله في انه هو الذي يحاسب الانسان يوم القيامة على ما اختاره من عقيدة بملء حريته وارادته؟ والى متى يتوجب علينا ان نؤكد ايضا ان من هذه الثوابت كذلك الايمان بان المسيحية واليهودية رسالتان من عند الله، وانه لا يكون ايمان بانكار اي منهما، او بالتنكر لأي منهما؟ او بالاساءة الى اي منهما؟

والى متى يتوجب علينا ان نذكّر كذلك بان العالم الغربي شيء والمسيحية شيء آخر، وانه اذا كانت هناك مشكلات سياسية بين العالم الاسلامي والغرب، فليس معنى ذلك ان هناك مشكلات دينية بين الاسلام والمسيحية؟

والى متى يتحتم علينا ان ندعو الى فك الارتباط في اي رد فعل نقوم به، بين المواطن المسيحي العربي والمشكلات مع العالم الغربي؟ وان نذكر بأن هذا المواطن ليس امتدادا للغرب لمجرد كونه مسيحيا، ولكنه امتداد لأمته التي ينتسب اليها والتي شارك في صنع حضارتها على مدى التاريخ؟

والى متى يتحتم علينا ان نذكّر بان عهد الذمية في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين من ابناء الوطن الواحد والامة الواحدة قد مضى وانقضى، وانه اذا كان صالحا في زمانه فان الصالح في الوقت الحاضر هو عهد المواطنة بما يعنيه من مساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعا على اختلاف اديانهم ومذاهبهم واثنياتهم، وان هذا العهد هو الاساس الذي تقوم عليه الدول والمجتمعات الحديثة، وانه العمود الفقري للوحدة الوطنية التي تشكل الدرع الواقية في مواجهة الفتن والدسائس، خارجية كانت ام داخلية؟

الى متى يفترض بنا ان ننبه المسلمين الذين استوطنوا دولا غير اسلامية ان عليهم ان يلتزموا قوانين تلك الدول وانظمتها وان يحترموا عادات شعوبها وتقاليدها، كما فعل المهاجرون المسلمون الاوائل الى الحبشة، وان عليهم ان يتذكروا انهم قلة في هذه الدول، فاما معايشة بمعروف مع اهلها وقوانينها او مغادرة باحسان، وان مجرد الحصول على تأشيرة الدخول الى، او الاقامة في، اي من هذه الدول هو التزام اخلاقي وتعهد ملزم لوجوب احترام انظمتها وقوانينها؟

الى متى نضطر الى تذكير المتطرفين والمتشددين منهم بان عليهم الا ينسوا ابدا انهم مهاجرون وليسوا غزاة فاتحين، وانه اذا كان من حقهم ممارسة شعائرهم الدينية بحرية واحترام، فليس من حقهم تعريض الاسلام الى السخرية بالادعاء انهم يسعون الى "اقامة الخلافة" في لندن او باريس او برلين! وان التزامهم ما يدعو اليه الاسلام من خلق رفيع واحترام للآخر عقيدة وسلوكا، ومن سماحة في الاختلاف، يجعل منهم من حيث لا يدرون دعاة حب في مجتمعات تحتاج الى لمسة روحانية تسمو بها عن الماديات، اما   التصرف بفظاظة وغلظة وتمرد وعنف، فانه لا يتنافى مع اصول الضيافة في هذه المجتمعات فحسب، ولكنه اضافة الى ذلك يتنافى مع الاسلام نفسه تربية وثقافة وعقيدة. وان النتيجة هي انفضاض هذه المجتمعات عنهم وحذرها منهم، مما يؤدي الى حقنها بجرعات اضافية من الشك والحذر، بل ومن الرفض والكراهية؟

الى متى نذكر الآية القرآنية الكريمة "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن، فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"؟

الى متى يستمر بعضنا في سلوك جاهلي متغطرس يؤدي الى تحويل الولي الحميم عدوا مقيما؟ الى متى نتجاهل استدراج المجتمعات الغربية الى ردود فعل يدفع المسلمون في العالم ثمنها غاليا جدا من حرياتهم الدينية ومن مصالحهم وحتى من وجودهم؟ فاذا كان متطرفون مسلمون خطفوا 12 نيباليا في العراق وقتلوهم باسم الاسلام، فهل يجوز لنا ان نستغرب ان يبادر متطرفون نيباليون بوذيون الى احراق مسجد العاصمة كاتمندو باسم البوذية انتقاما لضحاياهم؟ وما اكثر هذه الامثلة المؤلمة التي تصلح نماذج يقاس عليها من اندونيسيا حتى نيجيريا، ومن العراق حتى بريطانيا والولايات المتحدة!

الى متى تستمر حال الفوضى في اصدار الفتاوى الدينية بشأن قضايا سياسية او عسكرية؟ هذا يحلل وذاك يحرم؟ هذا يعلن الحرب المقدسة على "اليهود والصليبيين" وذاك يذكر بان النبي محمد عليه السلام تزوج منهم وتحاور معهم، واقام نواة الدولة الاسلامية الاولى في المدينة المنورة على اساس وحدة المواطنة واختلاف العقيدة. الى متى يستمر توريط الاسلام في صراعات مع الآخرين، كل الآخرين - الانجيلية في اميركا والارثوذكسية في روسيا والكاثوليكية في ايطاليا والهندوسية في الهند والبوذية في النيبال والعلمانية في فرنسا، - مما يعطي الانطباع الخاطئ ان الاسلام لا يقبل الآخر ولا يستطيع ان يتعايش الا مع نفسه؟ بل انه لا يستطيع ان يتعايش حتى مع نفسه. فلا قاعدة القومية الواحدة تمنع الفتنة المذهبية بين سنة وشيعة، ولا قاعدة الذين تمنع الفتنة الاثنية بين عرب واكراد، او بين اكراد وتركمان، او بين عرب وامازيغ. الى متى نلوم الاصابع التي تعيث فينا فسادا وافسادا، ولا نلوم الايدي الداخلية التي لا تقصر على الاطلاق في عمليتي الفساد والافساد؟

الى متى نطمر رؤوسنا في تراب التجاهل مرددين مقولة "ان العالم يتآمر علينا" من دون ان ندرك في الوقت نفسه، بل وقبل ذلك، حجم المؤامرة الكبرى التي نحوكها نحن بأيدينا على انفسنا، وعلى قضايانا؟

متى ندرك: "أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". ومتى نفهم بعمق قول الله تعالى "ان الارض يرثها عبادي الصالحون"، وان الصلاح يبدأ بالاصلاح الذي ينقي النفس من ادران البغضاء والتعصب والكراهية وسوء التصرف، ويغير ما في العقل من جهل واحكام مسبقة؟

ومتى ندرك ان لا حل بالتكفير، ولا استقرار بالالغاء، ولا سلم بالانعزال؟

متى نتصرف على اساس القاعدة الذهبية التي تقول ان الصالحين هم الذين يصلحون انفسهم اولا قبل ان يتصدوا لاصلاح الآخرين،

ومتى نتصرف على اساس ان اهم علم اصلاحي هو علم التخلص من خطأ ما نعلم، ومن سوء ما لا نعلم؟

(*) القيت هذه الكلمة في مؤتمر "الحوار بين الاديان" في مونتي جيديو، ايطاليا.

عن شبكة الحوار المسيحي الإسلامي في لبنان