البابا و تفسير القرآن
البابا و تفسير القرآن
دانييل بايبس
كان من المتوقع أن يكون الإسلام و المسلمون قمة أولويات البابا بيندكت السادس عشر ،إلا انه لم يحرك ساكنا بهذا الشأن خلال الأشهر التسعة الأولى من توليه منصبه . إلا أن تقريرا وحيدا يفيد بإعطاء بعض التلميحات حول ما يفكر به حاليا.
روى الأب جوزيف د.فسيو في برنامج هاف هيوت تفاصيل الحلقة الدراسية التي حضرها مع البابا في أيلول 2005 حول الإسلام . حيث سمع الحضور بأفكار عالم اللاهوت الليبرالي باكستاني المولد المدعو فازلر رحمن (88-1919)، القائلة بأنه لو أعاد المسلمون تفسير القرآن كليةً عندها يصبح بالإمكان تحديث دين الإسلام.و حضّ على التركيز على المبادئ الكامنة وراء التشريع القرآني مثل الجهاد ،و قطع أيدي السارقين ، و تعدد الزوجات ، بغرض تعديلها لتناسب احتياجات العصر.وقد استنتج هذا العالم انه إذا قام المسلمون بفعل ذلك حقا فسيكونون قادرين على الازدهار و العيش بتناغم مع غير المسلمين.
إلا أن ردة فعل البابا بيندكت كانت قوية تجاه هذا الطرح - لقد اعتاد البابا على عقد مثل هذا النوع من الحلقات منذ عام 1977 . لكنه اعتاد أيضا أن يترك المجال للآخرين ليطرحوا ما عندهم أولا ، ومن ثم يقدم ما لديه من تعليق . لكن لم يتمالك أعصابه إزاء سماعه تحليل فازلر رحمن – بحسب ما يستذكر الأب فيسيو .قال الأب : هذه المرة الأولى التي يقوم فيها البابا بتصريح فوري –بحسب ما اذكر. إني لأعجب من قوة هذا التصريح ... فقد قال الأب المقدس ، بطريقته الهادئة الجميلة و الواضحة ، حسنا ، هناك مشكلة أساسية في هذا (التحليل) لأنه في العرف الإسلامي ، أعطى الله كلمته إلى محمد ، لكن هذه الكلمة أبدية وهي ليست كلمة محمد ، فهي موجودة إلى الأبد مثلما نزلت دون تغيير ولا مجال لتعديلها أو تفسيرها ..وهو جوهر الخلاف بين الإسلام و المسيحية و اليهودية . ففي هاتين الديانتين " عمل الله من خلال مخلوقاته . لذا فهي ليست كلمة الله وحدها بل هي كلمة عيسى ، ليست كلمة الله و حسب ، بل كلمة مرقس ، فقد استخدم الخالق مخلوقه الإنسان و أوحى إليه لينطق بكلمته إلى العالم" . إن اليهود و المسيحيين " قادرون على انتقاء ما هو حسن" من تقاليدهم وقولبته . بمعنى آخر ، هناك " منطق داخلي يحكم الإنجيل المسيحي ، يجيز له و يتطلب أيضا تعديله و تطبيقه بحسب الأوضاع الجديدة ".بالنسبة لبيندكت ، حيث أن الإنجيل" كلمة الله التي أوصلها عبر المجتمع الإنساني" فانه يفهم القرآن على انه شيء سقط من السماء ولا يمكن تعديله أو تطبيقه" ولهذا الجمود عواقب وخيمة لأنه يعني أن " الإسلام قد علق ، انه عالق في شرك النصّ الذي لا يمكن تعديله ".
إن سرد الأب فيسيو المفاجئ يستدعي اثنين من ردود الأفعال . الأولى ، هذه التعليقات قد صدرت في حلقة دراسية خاصة بحضور تلامذة سابقين و ليس أمام العموم . وكما أشار سبنغلر من تايمز آسيا ، حتى البابا " عليه أن يهمس" عندما يتعلق الأمر بمناقشة دين الإسلام . فهي إحدى علائم العصر .و ثانيا ، ينبغي عليّ إشهار معارضتي . فالقرآن قابل للتفسير، كما فعل ذلك المسلمون مثلهم مثل اليهود و المسيحيين عندما قاموا بتفسير الإنجيل، ولم تتغير هذه التفاسير مع الوقت.إن القرآن مثل الإنجيل ، له تاريخه الخاص .يمكن الاستشهاد على ذلك بطريقة تفكير عالم اللاهوت السوداني محمود محمد طه (85-1909).لقد بنى طه تفسيره على تقسيم القرآن اصطلاحيا إلى جزأين . فالنصوص الأولى نزلت على محمد عندما كان في مكة نبياً لا حول له ولا قوة ، غلبت عليها صفة التفكير بالكونيات . و أما النصوص اللاحقة فقد نزلت عليه عندما حكم المدينة ، و تضمنت العديد من القوانين المحددة التي شكلت في النهاية أساس الشريعة أو ما يمكن تسميته القانون الإسلامي .يقول طه بان هناك قوانين قرآنية محددة كان العمل بها مقتصرا على المدينة و حسب ، لا لأزمنة و أمكنة أخرى . وهو يأمل أن يتمكن مسلمو اليوم من تجاوز هذه القوانين ليعيشوا وفق المبادئ العامة التي أوحيت إلى الرسول في مكة. لكن في حال لاقت أفكار طه هذه قبولا فان معظم الشريعة ستختفي بما في ذلك الأحكام التي عفا عليها الزمن و المتعلقة بالنضال ، السرقة و النساء. عندها سيكون المسلمون أكثر استعدادا و انفتاحا على الحداثة .
و قد قام المسلمون بالفعل بخطوات خجولة في نفس الاتجاه على الرغم من عدم موافقتهم على خطة بهذه الخطورة. فالمحاكم الإسلامية في إيران المعروفة برجعيتها ، قد كسرت التقليد الإسلامي لتأذن للنساء بحق طلب الطلاق و تمنح المقتول المسيحي تعويضات مساوية للقتيل المسلم .
و خلاصة القول أن الإسلام ليس دينا عالقا، إلا انه بحاجة للقيام بجهود هائلة لحثه على التقدم بنفس جديد.(عن الموقع العربي لدانييل بايبس)