عشاق الله

المقاومة والتحرير والعنف والإرهاب

المقاومة والتحرير والعنف والإرهاب
المطران غريغوار حداد


(1)
في غمرة السِّجالات الجارية حول المقاومة والعنف والإرهاب، وتصنيف البلدان والأحزاب، سواء من قبل دولة عظمى أو من قبل الأمم المتحدة، وبسبب الخلط القائم بين المفاهيم، والأحكام الجائرة التي تُطلَق، ضدِّي وضدَّ غيري ممَّن يفتشون عن الحقيقة ليلتزموا عن وعي بالقيم والأهداف، ظننت من واجبي أن أوضح موقفي من هذه القضايا الهامة والساخنة حاليًّا، والتمييز بين المفاهيم المختلفة.
في التمييز بين "العنف" و"القوة"
فـ"القوة" فضيلة، بحسب اللغة الدينية، وقيمة إنسانية، بحسب اللغة العلمانية. هي ضد الضعف، والتخاذل، والهرب من المجابهة، وعدم مقاومة الشر. ولكنها، لكي تبقى فضيلة وقيمة إنسانية، يجب أن لا تمس عند الذي تمارَس تجاهه (أو الذين تمارَس تجاههم) أية من القيم الأساسية – وأهمها: الحياة، الحرية، العدالة، المساواة، الحقيقة، النمو، الغائية، الفرادة، الطمأنينة، السلامة، الراحة، السلام – وذلك لأنه مساس بقيمة الإنسان المطلقة، كليًّا أو جزئيًّا، في أحد أبعاده أو حقوقه الأساسية. بينما "العنف" هو رذيلة أو نقيصة أو خطيئة، بحسب اللغة الدينية، وانتهاك لإنسانية الإنسان، بحسب التعبير العلماني. وهو يواجه القيم والأبعاد الأساسية كما يأتي:
- القتل، وهو ضد القيمة الكبرى، أي الحياة.
- الاستعباد والإكراه، وهما ضد الحرية على أنواعها، بما فيها الحرية الدينية.
- الظلم، وهو ضد العدالة، الشخصية والجماعية.
- التفرقة الفئوية، وهي ضد المساواة، أكانت بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين.
- الكذب والخداع، وهما ضد الحقيقة التي تحق لكلِّ إنسان.
- التخلف، وهو ضد النمو المطَّرد لأبعاد الإنسان الثلاثة: الجسدية والنفسية والروحية.
- استغلال أو ابتزاز أو استعمال الإنسان الآخر، وهو ضد غائيته.
- "التنكير"، أي اعتبار الآخر نكرة أو رقمًا كباقي الأرقام، وهو ضد الفرادة والهوية.
- الإرهاق، وهو ضد الراحة، الجسدية والنفسية.
- الإرهاب، وهو ضد الطمأنينة، الشخصية والجماعية؛ وقد يصدر الإرهاب عن السلطة أو ضد السلطة.
- التعذيب، وهو ضد السلامة، الجسدية والنفسية.
- الحرب، وهي ضد السلام، داخل البلد أو بين البلدان، مع مساوئها المنعكسة على الأفراد والجماعات.
- الإبادة الجماعية، وهي ضد الإنسان والإنسانية وحقوقهما.
إنما هناك أقوال أو مواقف أو أفعال، تجاه الآخر أو الآخرين، فيها قساوة وشدة وضغط معنوي، من دون المساس بقيمة الإنسان أو بأحد أبعاده الأساسية. فهذه ليست عنفًا سلبيًّا، بل قوة إيجابية من أجل صالح الآخر (أو الآخرين)، من أجل تربيته، أو تقويم اعوجاجه، أو تطويره في خط الصراط المستقيم، أو إقامة العدالة والسلام في بلد أو في العالم. ومن هذه الأقوال أو المواقف أو الأعمال:
- السجن التربوي، حيث الإنسان المُعتبَر مجرمًا يُمنَع من الإمعان في إجرامه، من جهة؛ ومن جهة أخرى، يُمنَح إمكانية الخروج من إجرامه بواسطة التوعية والتربية والأشغال – لا بـ"أشغال شاقة"، بل بأشغال كريمة تجعله يتقدم إنسانيًّا، وبالتثقيف من خلال القراءة أو البرامج السمعية البصرية التي أخذت تتوافر – وفيها "إعادة تربية" r&eactute;&eactute;ducation، لاسيما عندما لم يحصل "المجرم" في طفولته وحداثته على التربية السليمة. فالسجن التربوي ليس ضد الحرية كقيمة أساسية، بل هو من أجل تحرير الإنسان من استعماله الخاطئ للحرية.
- تعبئة الجماهير من خلال وسائل الإعلام والندوات والمظاهرات، والحوار مع الذين هم سبب الظلم أو التخلف أو الفقر أو التفرقة أو الإرهاب أو التعذيب إلخ. وهذا صعب جدًّا، لكن غير مستحيل، ويشكل بديلاً من الحرب، لاسيما الحرب الأهلية في البلد الواحد، والنزاعات الفئوية، العرقية، أو الطائفية، أو المذهبية. هذه الوسيلة هي بناء للقوة، لقوة الشعب من خلال وحدته والتزامه، بلا أي "عنف" ضد أية قيمة إنسانية.
- الوسائل الاقتصادية، كالتي استعملها غاندي ضد المصالح البريطانية بالاستغناء عن منتجات مصانع النسيج، أو التي استعملها مارتن لوثر كينغ تجاه السلطات الأمريكية بمقاطعة وسائل النقل العامة (الأوتوبيس). فـ"الضغط" الاقتصادي فيه "قوة" كبيرة، إنما بدون "عنف"، ضد إنسانية الاقتصاديين أو السياسيين أنفسهم الذين يدعمونهم أو يخدمونهم، بل هي لخيرهم، لثنيهم عن ظلمهم.
- المقاطعة المدنية للحكام السياسيين أو الاقتصاديين، بالوسائل المتنوعة التي تؤثر على إرادتهم، فتدعوهم إلى ما هو حقٌّ وعدالة، بل إلى ما فيه مصلحتهم، و"تجبرهم" –
أجل تجبرهم – على القيام بما هو صحيح وعادل لخدمة الجميع، لا لمصلحة فئة صغيرة على حساب الأكثرية. هذه المقاطعة تجمع الأكثرية، "الصامتة" عادة و"المسحوقة"، لتصبح "صامدة" و"ساحقة" للظلم، لا للظالمين، الذين تُحرِّرهم من ظلمهم، أو على الأقل تحاول تحريرهم. ومن أقوال الرسول العربي: "انصرْ أخاك مظلومًا أو ظالمًا." فسأله بعض الصحابة: "فهمنا نصر المظلوم، فكيف ننصر الظالم؟" فأجاب: "بإخراجه من ظلمه."
شواهد كتابية
هذه الأفعال أو الأقوال أو المواقف التي تسمى "لاعنفية" هي غير المسماة "سلمية" التي تعتمد المفاوضات والمصالحات، أو القعود بلا أيِّ جهد أو جهاد. والمؤمنون المحتاجون إلى أدلة من الكتاب المقدس يمكنهم اكتشاف الآيات المؤيدة للاعنف مع بعض الاجتهاد في التفسير. ففي المسيحية وَرَدَ في إنجيل متى (18: 15-17): "إذا خطئ أخوك [ضد الجماعة] فاذهب إليه وعاتبْه بينك وبينه وحده. فإن سمع لك ربحتَ أخاك. وإن لم يسمع فخذ معك أيضًا واحدًا أو اثنين، لكي يبت في القضية كلِّها على شهادة اثنين أو ثلاثة. فإن أبى أن يسمع لك فقل للكنيسة [للجماعة التي تضغط معنويًّا]. وإن أبى أن يسمع للكنيسة أيضًا، فليكن عندك كالوثني أو العشار [أي كالمحروم]." وهذه هي "المقاطعة المعنوية" هي التي قد تؤثر عليه، حيث لم تؤثر باقي الوسائل.
ولبولس الرسول (الرسالة إلى الرومانيين 12: 17) نقرأ: "لا تكافئوا أحدًا على شرٍّ بشر... سالموا جميع الناس، إن أمكن، وما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. لا تنتقموا لأنفسكم، أيها الأحباء، بل اتركوا موضعًا للغضب، لأنه قد كُتِبَ [تثنية 32: 35]: "لي الانتقام أنا أجازي، يقول الرب." بل بالحري، إن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقه... لا تنغلب للشر، بل اغلب الشرَّ بالخير." لا استسلام، إذن، ولا تخاذل ولا هروب، بل جهاد بدون عنف، حتى ينغلب الشر، أيًّا كان، سياسيًّا أم اقتصاديًّا أم حضاريًّا.
وفي الإسلام: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى. وفضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا" (النساء 95)؛ "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة. ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم" (فصِّلت 34).
أعرف أن هذه الأقوال تُعتبَر كأنها "مثالية" و"طوباوية"، تجهل الواقع العنفي، لاسيما إذا كان الفكر الضمني يلمِّح إلى عنف إسرائيل وعنف الولايات المتحدة. وإن مثل هذه الوسائل اللاعنفية تبدو ألعابًا صبيانية، لا فاعلية لها على الصعيد السياسي. ويتبارى المنتقدون في سرد الأقوال التقليدية التي يظنونها مُفحِمة، ومنها مثلاً: "لا يفلُّ الحديدَ إلا الحديد"، "لا يغلب العنفَ إلا العنف"، "الرطل بدُّو رطل وأوقية"، إلخ. ويقولون إن كلمة المسيح: "من ضربك على خدِّك الأيمن أدِرْ له الآخر" (متى 5: 39) لا توصل إلا إلى المزيد من اللطم والتعذيب حتى الموت.
أجيب على هذا الاعتراض الساخر: إن الطوباوية والمثالية هما "طوباوية" و"مثالية" الذين يظنون أنهم قادرون أن يجمعوا العنف الكافي للتغلب على عنف الظالمين، لاسيما إذا كان المعنيون هم الولايات المتحدة وإسرائيل. أنا أؤمن بأن الذين يدفعون بأنفسهم نحو مجابهة العنف الأكبر قد يكونون أبطالاً وقديسين و"شهداء" حقًّا بنظر الناس والله. وقد قال المسيح: "ما مِن حبٍّ أعظم مِن حبِّ مَن يبذل حياته عن أحبائه" (يوحنا 15: 13). ولكنهم أبطال ساذجون، "طوباويون"، "مثاليون"، من حيث لا يعلمون، بل ولا يعلم – ولا يريد أن يعلم – الذين يقودونهم. فإنهم قد يصلون إلى الجنة إذا كانت نيَّتهم الجهاد في سبيل الله حقًّا. ولكن لن يصلوا إلى هدفهم، أي التغلب على عنف "الشيطان الأكبر"، بهذه الطريقة العنفية.
وقد يقول قائل: "إن حزب الله توصَّل إلى إرغام الجيش الإسرائيلي على الخروج من الجنوب، مع أن قدرات هذا الجيش العسكرية تفوق قدرات الحزب أضعافًا وأضعافًا." وأقول: صحيح أن شهداءه وقادته توصلوا إلى تحرير الجنوب – ولهم شكر كلِّ لبنان – لكنهم ربحوا معركة فقط، ولم يربحوا الحرب، لم يصلوا إلى هدفهم الأكبر: تحرير فلسطين كلِّها، وإزالة إسرائيل كدولة عنصرية. فإسرائيل لا يزال ينتهك أجواء لبنان، ساعة يشاء، ويستطيع، إذا شاء، أن يدمر من جديد البنى التحتية. ولا أعلم إن كان الخوف من ردَّة الفعل على المستعمرات، بل على عمق إسرائيل، هو الذي يردع إسرائيل عن استعمال عنفه على مصانع الكهرباء وعلى الطرقات وعلى الاقتصاد اللبناني أم حسابات أخرى. كما أن إسرائيل قادر أن يلقي حممه على مئات الآلاف الذين يحشدهم الحزب في بعض المناسبات، وأن يغتال قادتهم، ولكنه لا يفعل ذلك لأسباب غير معروفة.
والأهم من هذا أننا لم نصل بعد – نحن العرب ونحن المؤمنين بالحق والعدالة وبضرورة تحرير كلِّ فلسطين، لا الجزء المبتور و"المنخور" منها فقط – لم نصل بعد إلى اكتشاف بديل عن العنف أكثر فاعلية منه ولا يكون "طوباويًّا" ولا "مثاليًّا". بل إن الذي يطرح مثل هذا التفكير معرَّض لخطر أن يصنَّف "عميلاً"، تحرِّكه أمريكا أو إسرائيل – أكان واعيًا ومريدًا أم غير واعٍ!
(2)
أنا أؤمن بأن تحرير فلسطين – كلِّ فلسطين – يجب أن يكون الهدف الأكبر لجميع العرب، وجميع المسلمين والمسيحيين، لأن احتلال ما يسمى "إسرائيل" لها هو أكبر ظلم وقع في القرن العشرين. وأؤمن – ولا ألزم لا كنيستي ولا الحركة الاجتماعية ولا تيار المجتمع المدني بموقفي – أن المفاوضات، مع "شريك أمريكي" أو بدونه، لن تصل إلى أية نتيجة، وأن "الدولة الفلسطينية" التي رضي بها القادة هي دويلة مسخ، لا حول لها ولا قوة، مرتبطة بإسرائيل، بل خاضعة لتأثيره المباشر وغير المباشر. وأؤمن بأن العنف، الذي فيه قتلُ إنسان واحد، هو ضد الإنسانية. وهناك آية في القرآن أحبُّ أن أردِّدها: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا..." (المائدة 32).
أعرف، أيضًا، أن الإسلام يجيز القتل في حالات الدفاع عن النفس وعن الوطن وعن الله، وأن المسيحية تجيز القتل في الحروب العادلة؛ وقد وَرَدَ ذلك حتى في المجمع الفاتيكاني الثاني.[1] بل أعرف أن غاندي، صاحب النظرية والممارسة اللاعنفية المثلى، قال: "إذا خُيِّرْتَ بين العنف والتخاذل، فاخْتَرِ العنف." ولكني، شخصيًّا، أؤمن بما قاله المسيح وعمله، وأحاول أن أكون مسيحيًّا بمقتضى جميع متطلبات المسيح – بدون أن أتمكن أغلب الأحيان. فالمسيح لم يقبل بأيِّ حقِّ دفاع، حتى عن الحياة الشخصية، عبر قتل المعتدي.
لاشك في أن لي حقَّ الدفاع، بل واجب الدفاع عن حياتي، أو حياة المعرضين للقتل – لكن لا من خلال قتل أيٍّ كان. فـ"الغاية لا تبرر الوسيلة" – وهذا مطلق يقبل به الجميع، المؤمنون والملحدون واللاأدريون. وذلك يعني أن غاية العمل، مهما كانت نبيلة وسامية – حتى الدفاع عن الأبرياء، الأهل، الأحباب، الوطن، الأمة، الدين، الله... – لا تبرِّر قتل الإنسان المعتدي، أيًّا كان المعتدى عليه. فالدفاع عن هؤلاء جميعًا هو حق، بل واجب؛ وعلى المدافع أن يجد الوسيلة أو الوسائل الناجعة التي تدرأ العنف وتذود عن الحياة، أو عن الأبرياء والأحباب والأمة والوطن وعن الدين والله. يمكن أسْرُ المعتدي، أو تعطيل يديه، ولكن لا قتله، لأنه قيمة مطلقة، "على صورة الله"، "خليفة الله في الأرض". ومن هنا لا أحد يملك حقَّ إزالة حياته من الوجود.
قيل لي إن هذا ذروة "الطوباوية" و"المثالية"، تقول به مادام الخطر بعيدًا عنَّا. بينما لو هاجمك أحدٌ ليقتلك – ولا تستطيع أن تمنع الموت عنك إلا بقتله – ألا تقتله؟ لا أعرف ماذا ستكون ردَّة فعلي عند ذاك؛ قد أخاف، وأضعف، وأقتله – ولكني عندئذٍ أكون قد قمت بعمل هو ضد قناعاتي المسيحية. وأستشف في اكتمال الآية القرآنية في سورة فُصِّلَت مثل هذا المعنى: "وما يُلقَّاها إلا الذين صبروا، وما يُلقَّاها إلا ذو حظٍّ عظيم" (فُصِّلَتْ 35). ويفسر "الجلالان" عبارة "ما يُلقَّاها": "ما يؤتى الخصلة التي هي أحسن" – أي لا يفهم هذا التصرف، الذي يشبه اللاعنف الفاعل، إلا الذين حصلوا على نعمة تتطلب الأحسن في المعاملة.
في الممارسة درجات: هذا قول هام جدًّا، لا أعرف إذا كان قد أُعْطِيَ حقَّه في التفسير الإسلامي وفي التأويل. وإذا جاز لي أن أبدي رأيي، يمكن القول إن في الإسلام، كما جاء في غير حديث نبوي، درجات في فهم الإسلام وممارسته. هناك: الإيمان والإسلام والإحسان. والدرجة العليا هي الإحسان. وفي موضوعنا، الذين وصلوا إلى درجة الإحسان هم القادرون على أن يدفعوا بالحسنةِ السيئةَ ويجعلوا العدوَّ ينقلب ليصبح "صديقًا قريبًا من محبته" (الجلالان). ويقول القرآن قولاً أعمَّ بهذا الشأن، ومن آياته: "وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين" (الشورى 40).
وفي الإنجيل مشهد (متى 19: 16-22) يُظهِر أن المسيح يعتبر أن الحياة الأبدية يمكن أن ينالها من هم في درجة دنيا من خلال حفظ الوصايا العشر المعروفة منذ العهد القديم، وأن الكمال هو في الفقر الاختياري، علاوة على حفظ الوصايا.
تقدم إنسان وقال له: "يا معلِّم، ماذا عليَّ أن أعمل من الصلاح لأحرز الحياة الأبدية؟" قال له: "لِمَ تدعوني صالحًا، إنما الصالح واحد. لكن إن شئت أن تدخل الحياة، فاحفظ الوصايا." فقال له: "أية وصايا؟" قال له يسوع: "لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم أباك وأمك، وأيضًا: أحبب قريبك كنفسك." قال الشاب: "كلُّ هذا قد حفظتُه، فماذا ينقصني بعد؟" قال له يسوع: "إن شئت أن تكون كاملاً، فاذهب، وبِعْ مالك وأعطه للمعوزين، فيكون لك كنز في السماوات، ثم تعال واتبعني." فلما سمع الشاب هذا الكلام مضى حزينًا، لأنه كان ذا مال كثير.
وقد أظهر المسيح في مكان آخر (متى 19: 7-8)، بشأن الطلاق، مثل هذا التدرُّج في متطلبات الله ووصاياه. فبعد أن شدَّد على التزام الزوجين، بلا انفصال، سأله الفريسيون: "لماذا إذًا أوصى موسى بأن تعطى المرأة كتاب طلاق وتُخلَّى؟ فقال لهم: إنه لقساوة قلوبكم أذِنَ لكم موسى أن تطلِّقوا نساءكم. ولكن في البدء لم يكن هكذا." فكأن الله واكَبَ تطورَّ البشرية في تطلباته منها: فكان يسمح لها في طفولتها وحداثتها ما لا يحقُّ لها أن تسمح به لذاتها، بعدما نضجت، وبعدما تطورت الأوضاع المجتمعية.
تمييز بين متطلبات الله القصوى ومعاملته الرحوم
فالمسيح، "صورة الله غير المنظورة" ( رسالة بولس إلى القولوسيين 1: 15)، من جهة، يتطلب الأحسن والأسمى: "كونوا كاملين، كما أن أباكم السماوي هو كامل." (متى 5: 48) ومن جهة أخرى، هو رحيم تجاه الذين لم يبلغوا الكمال – ومن يستطيع أن يبلغ الكمال؟! – يمارس ما قال الله فيه (أشعيا 42: 1-4): "هو ذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سُرَّتْ به نفسي. عليه أُحِلُّ روحي، فيبشِّر الأمم بالعدل. لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحدٌ صوته في الساحات العامة، لا يكسر القصبة المرضوضة، ولا يطفئ الفتيلة المدخِّنة، إلى أن يقود الحق إلى الغلبة..." (متى 12: 18-21).
مما سبق يمكن استنتاج ما يأتي: إن الله، من جهة، كالمسيح ابن الله المتجسد، يتطلب من الإنسان أن يصل إلى ذروة إمكاناته، إلى الكمال؛ لكنه، من جهة أخرى، يعرف ضعف الإنسان، وعدم إمكانية وصوله إلى الكمال، فيقبل منه قدر ما يستطيع من الجهود والأعمال، ولذلك: "لا يكلِّف نفسًا إلا وسعها" (البقرة 286).
هذا التمييز بين الكمال المطلق المطلوب وبين النسبي الممكن والمقبول به، هو هام جدًّا، ويمكنه أن يضيء جوانب من موضوعنا. فالكمال هو احترام كلِّ إنسان، احترامًا تامًا، مهما كان تصرُّفه – حتى المجرم الذي قتل عشرات الناس، وحتى الدكتاتور المستبد والمبيد آلاف الأبرياء! والواجب لدى الحكام هو منع تأثير المجرم على الناس – الأبرياء وغير الأبرياء – وذلك بواسطة قوى الردع، والسجن، وكل ما لا يمس بإنسانيته وقيمتها. والكمال، في الواجب، هو إعادة تربية وتأهيل كلِّ "مجرم" لكي تنمو فيه إنسانيته، بقدر إمكاناته.
والكمال في فهم الآخرين، حتى المجرمين أنفسهم، هو اكتشاف أن المجرم غير حرٍّ تمامًا وغير مسؤول عمليًّا: فإما أن تكون جيناته الوراثية سبب إجرامه، وإما أن تكون التربية المنزلية، وإما أن يكون تأثير المجتمع السيئ عليه.[2] فإلغاؤه من الوجود والانتقام منه يصبح كأنه انتقام إما من الذي خلق جيناته، وإما من أهله، أو من المجتمع! كل ما يمكن عمله هو منعه من متابعة إجرامه على المجتمع، كما قلنا، والعمل على ما تبقى لديه من وعي وحرية، لكي يخرج من إجرامه. فقتلُه هو إقرار بفشل المجتمع في مهمته التربوية والإنمائية الذاتية، وبانتصار الموت على الحياة. بينما القصاص الواجب تنفيذه فيه هو وسيلة لحياة أفضل. ويقول القرآن الكريم: "ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب لعلكم تتقون" (البقرة 179)؛ "وكتبنا عليهم [على الذين هادوا – اليهود] فيها: أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاصٌ. فمن تصدَّق به [بالقصاص] فهو كفارةٌ له" (المائدة 45). و"التصدُّق" هنا هو الإقلاع عن المعاملة بالمثل والعفو عن "المجرم". فالقيمة، إذن، ليست الانتقام من المجرم، بل مساعدته لكي تكون له حياة أفضل. فكما يقول المسيح: "أما أنا فقد أتيتُ لتكون لهم الحياة، وتكون لهم بوفرة." (يوحنا 10: 10) "وإذ كان زمن ارتفاعه [من هذا العالم] قد اقترب، صمَّم أن ينطلق إلى أورشليم، وسيَّر قدَّامه رسلاً. فمضوا ودخلوا قرية للسامريين [وكانوا يعادون اليهود] ليعدُّوا له [ما يلزم من طعام ومأوى]، فلم يقبلوه لأنه كان متوجِّها نحو أورشليم. فلما رأى ذلك التلميذان يعقوب ويوحنا قالا: يا رب، أتريد أن نستنزل النار من السماء فتحرقهم؟ فالتفت وزجرهما وقال لهما: إنكما لا تعلمان من أيِّ روح [شرير] أنتما. فإن ابن البشر [المسيح] لم يأتِ ليُهلِكَ نفوس الناس، بل ليخلِّصها." (لوقا 9: 51-55)
وإذا لم تكن في العصور الماضية الوسائل القادرة على أن تمنع تأثير المجرم السيئ على المجتمع، ولا أن تجعله يخرج من إجرامه، وأن يتطور إنسانيًّا، فيضطر المجتمع إلى إعدامه، فإن العلوم الإنسانية في أيامنا هذه تقدمت جدًّا، لكي يجرؤ المسؤولون على إبقاء المجرم حيًّا، ولكي يحاولوا إصلاحه – حتى لو لم يكن النجاح حليفَهم دائمًا – هذا عدا ما أخذت الصحافة تنشره من إحصاءات لعدد كبير من الذين أُعدِموا، واكتشف القضاء، بعد موتهم، أن المجرمين كانوا غير أولئك الذين أُعْدِموا، ولا يزالون أحياءً يُرزَقون! وتُظهِر إحصاءاتٌ أخرى أن نسبة المجرمين لا تنخفض في البلدان التي يسري فيها حكم الإعدام ويمارَس.
(3)
تفاقم السجال مدة حول عمليات التضحية بالذات من أجل تحرير جنوب لبنان، والآن من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني. يتساءلون: هل هي عمليات انتحار، غير جائزة بحسب الشرع الديني، أم هي تعبير عن أسمى مراتب العطاء الإنساني؟ وقد صدرت فتاوى عدة، متناقضة، بهذا الشأن. لن أسمح لنفسي بأن أقدِّم في الأمر فتوى أو رأيًا شرعيًّا؛ ولكن قد تكون بعض "التمييزات" مفيدة لإلقاء الضوء على هذه المسألة المعقدة.
هناك، أولاً، المستوى الذاتي والمستوى الموضوعي: ذاتيًّا، كما سبق القول، إذا كانت نية المستشهد سليمة، منطلقة من اقتناع ديني، يكون ذلك استشهادًا؛ وموضوعيًّا، إذا رجعنا إلى المبدأ المطلق الذي مفاده أن "الغاية الحسنة لا تبرِّر الوسيلة السيئة" نجد: أن الغاية هنا – وهي التأثير على مجرى الأحداث، والتوصل إلى التحرير الكامل لفلسطين – لا تتم بالاستشهاد، مهما ازداد عدد المستشهدين، وأن الوسيلة المعتمدة – وهي قتل الأعداء – قد تقتل "مجرمين"، لكنها، بالوقت ذاته، تقتل حتمًا أبرياء – وهذا لا يسوغه الضمير الديني، ولا القيم العلمانية.
وهناك، ثانيًا، مستوى الغاية ومستوى الأهداف. فالغاية – غاية الأديان، وغاية الفلسفات، وغاية الأحزاب – واحدة: الإنسان ونموه واكتماله وسعادته. فعندما يستحيل التوصل إلى هذه الغاية، يُستعاض عنها بأهداف جزئية أو وسيطة، يعتبر المؤمنون بالغاية، أو المنظِّرون لها، أنها قد تسهم في الوصول إليها.
والأهداف في موضوعنا متعددة، منها: تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، التي ينساها الكثيرون؛ تعبئة الرأي العام لكي يؤثر على مراكز القرار من أجل التغيير في الواقع؛ التأكيد على الوجود الشخصي أو الجماعي، الفئوي، في سبيل القضية؛ التأثير العاطفي على القيادات العربية والإسلامية من أجل الحصول على الدعم... من الواضح أن هذه الأهداف الجزئية أو الوسيطة لم تصل إلى الهدف الأدنى الذي ارتضت به "السلطة الفلسطينية"، بل فتحت معارك جانبية، كلامية أو أمنية عسكرية، تلهَّى بها المسؤولون الفلسطينيون وحلفاؤهم، ناسين "الهدف" الأخير، أي التحرير الشامل لكلِّ فلسطين، وناسين "الغاية"، أي الإنسان – كل إنسان – ونموه وسعادته. لذلك فالسِّجال القائم إذا كان هناك استشهاد أو انتحار لا يبقى هامًّا، بل التساؤل إذا كان العمل الذي لا يصل إلى النتيجة المتوخاة، ويتسبب بقتل الذات، يبقى شرعيًّا – أكان بنظر الأديان أم بنظر القيم الإنسانية الصرف.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن تحرير الجنوب هو هدف جزئي، لا نهائي؛ ولا بالأحرى هو غاية، لا لحزب الله، ولا للبنان، ولا للعرب، ولا للمسلمين. ولنضف هنا أيضًا بعض التمييزات:
لقد بدأت المقاومة اللبنانية في تنظيمات حزبية، لاسيما يسارية، قبل نشأة حزب الله، واستشهد الكثيرون من الملتزمين بهذه التنظيمات. ثم دخل حزب الله على ساحة المقاومة، فتضاءل عدد المقاومين من التنظيمات الأخرى، إلى أن أمسى الحزب وحده على ساحة الجهاد. صحيح أن الدعم جاءه من الجيش، الذي استشهد بعض عناصره، ومن السلطة اللبنانية، ومن سوريا وإيران، لكن الذين "نزلوا على الساحة"، وقاسوا ما قاسوه من عذاب، واستشهد من استشهد منهم، فكان لهم الفضل الأعظم، إن لم يكن الأوحد، في تحرير الجنوب، هم قادة حزب الله وجنوده.
لكن تحرير الجنوب ليس إلا جانبًا من تطلعات الحزب. فـ"هدفه الأخير" هو تحرير جميع الأراضي المحتلة، لا البقايا اللبنانية فقط [مزارع شبعا]، بل فلسطين التي احتلتها الدولة الغاصبة. لذلك يمكن القول إن حزب الله ربح معركة – هامة جدًّا، بلا شك – ولكنه لم يربح الحرب! وبالرغم من رغبة قادته بأن تنتقل خبرته في الحرب وفي الانتصار إلى فلسطين، أخذ يظهر، شيئًا فشيئًا، أن لهذه الخبرة فرادتها وظروفها التي يستحيل نقلها إلى فلسطين.
وبعد 11 أيلول، وزوال "طالبان"، واحتلال أفغانستان بطريقة غير مباشرة أو مباشرة، وإعلان الحرب الشاملة على جميع ظاهرات "الإرهاب" في العالم، أضحى من المستحيل تكديس الطاقات الكافية للانتصار الثاني والأكبر، والوصول إلى السلم التام، وإلغاء دولة إسرائيل العنصرية، ودمج اليهود الراغبين في دولة لاعنصرية لاطائفية. فإكمال استراتيجية العنف التي تستهدف إثارة الرأي العالمي – رأي الشعوب العربية على الأقل – صار يُعتبَر "إرهابًا"، وأخذ الجميع، بمن فيهم العرب، "يهرولون" للالتحاق بهذه المعركة العبثية – عبثية، لأن الإرهاب الأكبر والأساسي هو إرهاب الدولة الأمريكية وما يسمى دولة إسرائيل. والإعلام العالمي يحوِّل نظر الرأي العام من الإرهاب الأساسي إلى ردَّة الفعل العنفية، التي لا يصح أن تسمى "إرهابًا"، بل مقاومة شرعية بحسب القانون الدولي!
لا تعني هذه الاستحالة أنه يجب الاستسلام للهيمنة الصهيونية، والقبول بـ"السلم" الأمريكي الإسرائيلي؛ لا تعني التخلِّي عن الهدف الكبير: تحرير جميع الأراضي المحتلة؛ لكن تعني ضرورة اكتشاف الوسيلة الفاعلة القادرة على بلوغ هذا الهدف.
الحل الوحيد الفاعل، برغم أنه صعب التحقيق، هو ذو وجهين في وقت واحد: التضامن العربي، مدعومًا بالطاقات العالمية الرافضة للهيمنة الأمريكية–الإسرائيلية (كالتي بدأت تتحرك، من سياتل حتى الدوحة) وإحكام الحصار الاقتصادي، وذلك بمقاطعة السلع والخدمات الأمريكية والإسرائيلية واستبدال بها سلع وخدمات الشرق الأقصى وبلدان عدم الانحياز وأوروبا (إذا لم تتضامن مع الولايات المتحدة)، وتفعيل الاقتصاد الفلسطيني وإيصاله إلى الاكتفاء الذاتي، والتوصل، أخيرًا، إلى إنشاء "السوق العربية المشتركة"، المنفتحة على بلدان أوروبا والعالم الثالث، التي كانت – ولا تزال – حلم جميع الشعوب العربية، إن لم يكن حلم حكامها!
أجل، هذا الحل هو صعب التحقيق – وصعب جدًّا – ولكنه غير مستحيل. بينما الحل "العنفي" مستحيل التحقيق؛ وهو السبب دائما في كوارث إنسانية ومادية وبيئية، وفي تفجر أحقاد وذاكرة جماعية حاقدة تمتد آثارُها إلى أجيال وأجيال.[3]
عندما يُذكَر هذا الوجه من الحل – أي "التضامن العربي" – تنقلب الشفاه أو تبتسم ابتسامة المشفِق على سذاجة الذين يعتمدون على إمكانية حدوثه، وتأخذ الكلمات المعلَّبة تاريخيًّا تنطلق: "المستحيلات أربعة، لا ثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفي... والتضامن العربي!" "اتفق العرب على ألا يتفقوا." "التاريخ يكرِّر ذاته...". كل هذا صحيح – مع بعض التمييز: فهذا التضامن صعب جدًّا جدًّا على صعيد أغلبية قادة الدول العربية "المهرولين"، "المباعين والمشريين"، الذين يحصلون على هبات سنوية لصندوق دولتهم... وصندوقهم الخاص! فالتضامن والسلام ضربة قاضية لمصالحهم ومواردهم.
ولكن هذا التضامن سهل وقابل للتحقيق، على المدى المنظور، على صعيد الشعوب التائقة إلى التضامن، بل إلى الاتحاد – والأفضل القول على صعيد "المجتمعات المدنية" (وهذه جميعًا مفردات لابدَّ من التوقف عندها وتحليلها في مقالات تالية). وقد بدأت بوادر هذا التضامن تتجلَّى في المظاهرات الشعبية التي رافقت انطلاقة "الانتفاضة الثانية"، وفي الهيئات الأهلية التي نشأت – ولا تزال تنشأ – للتعبير عن هذا التضامن وآفاقه القريبة، و"مستقبله الحاضر" "إنهم يرونه بعيدًا، ونراه قريبًا." (المعارج 7)
لا شك في أن الصهيونية قد زرعت ألغامًا، لا في "الشريط الحدودي" الذي كان محتلاً وأصبح محررًا وحسب، بل في مختلف "الأشرطة الحدودية" داخل البلاد! لكن الوعي يتزايد في المجتمع المدني، مع الرغبة في هذا التضامن والتغلب على "مؤامرات" المتآمرين، وعلى إحباط المتخاذلين، الذين لا يخلو منهم أيُّ مجتمع.
الخلاصة: لا يمكن، في مقالة واحدة (وإن كانت طويلة) قول كلِّ ما يجب قوله لتوضيح جميع جوانب القضية الكبرى – بل الأولى – على صعيد الأمة العربية والإسلامية. فآمل أن يتاح لي مجال إكمال التوضيح في مقالات تالية. وأرجو، إذا قرأ بعضهم مقالتي وأراد نقدها، أن يكون هذا النقد في سبيل التوصل إلى قَناعات مشتركة تصبُّ في وجود الحلِّ الصحيح الناجع للحالة المأساوية التي يتخبط فيها عالمنا. كما أظن أن الذين انزعجوا من بعض ما قلتُه في حوار "كلام الناس"، اقتنعوا بأني لست ضد حزب الله (ما عدا أنه لا يحق له أن "يحتكر" الله بهذه التسمية). إنني، بالعكس، أقدِّر كلَّ ما قام به شهداؤه كأسمى ظاهرات السموِّ والالتزام البشري. إني معهم في هدفهم لأجل تحرير كلِّ فلسطين، رافضًا كل تنازل للدولة الإسرائيلية العنصرية والغاصبة والمحتلة ما لا يحق لها أن تحتله – حتى استنادًا إلى التوراة، بحسب زعمها!
أما العمل الأكبر المطلوب القيام به حاليًّا فهو: إعادة توعية جميع العرب، لاسيما الشبيبة التي لم تتلوث بعد بالمصلحة الأنانية، إلى ضرورة التضامن مع قضية فلسطين وباقي قضايا العدل والتنمية، ودراسة استراتيجية الحلِّ الاقتصادي الناجع للوصول إلى التحرير.




[1] "لا شك في أن الحرب لم تختفِ من الأفق الإنساني. وما دام خطر اندلاع الحرب قائمًا – ولا سلطة دولية علينا، ذات صلاحية تمتلك القدرة الكافية – فلا يمكن إنكار حق الحكومات، بعد استنفاد جميع إمكانات الحلِّ السلمي، أن تلجأ إلى الدفاع الشرعي." (المسيحية في عالم اليوم، فقرة 79).
[2] سنة 1970 عهد وزير التصميم آنذاك، موريس جميل، بدراسة "القوى العاملة" في لبنان إلى الشبكة الإحصائية التي أسستْها "الحركة الاجتماعية". ووصل أعضاء فريق الإحصاء إلى بلدة في جرود البقاع، ودخلوا على أحد سكانها لملء الاستمارة الإحصائية. وبعد تدوين اسمه واسم قرينته وأولاده وأعمارهم، سألوه عن مهنته فأجاب: "مجرم!" فقالوا له: "اترك المزاح جانبًا!" فأصرَّ على كتابتهم عن مهنته أنه مجرم، وأضاف: "ولكن اذكروا السبب: فبلدتنا لا طريق لها، ولا ماء، ولا كهرباء، ولا مدرسة، ولا مستوصف، ولا عمل... لذا اضطررت لأن أصير مجرمًا لأعيش مع أسرتي!"
[3] كما حدث فيما سُمِّيَ "حوادث الستين"، أي 1860، بين الدروز والموارنة – وكان الحقد لا يزال متملكًا في النفوس بعد قرن؛ وأهلنا الذين وُلدوا بعد خمسين سنة من انتهاء "الحوادث" كانوا لا يزالون تحت تأثيرها فيحذِّروننا من الدروز!

عن معابر