عشاق الله

المسألة القبطية وماجرى في الاسكندرية

 

المسألة القبطية وماجرى في الاسكندرية

أحمد الخميسي

مؤسف جدا كل ما حدث في الإسكندرية قبل مدة من تهجم على الكنائس وإتلاف واجهاتها ومحتوياتها ، وتخريب وسرقة محلات المسيحيين وحرق سياراتهم والتعدي على المستشفيات لقبطية، وسقوط قتيل ، وإصابة عدد كبير بجراح . والأكثر مدعاة للأسف ما قررته نيابة شرق الإسكندرية من ضبط 35 زجاجة مولوتوف وبعض الأسلحة البيضاء من سكاكين وجنازير، فطبيعة هذه الأدوات التي استخدمت تدل على تعبئة وشحن نفسي مسبق . والآن علينا أن نتخيل سبعة آلاف شخص يتواثبون بهذا العنف وهذه الأسلحة إلي أماكن العبادة ، لكي ندرك حجم الترويع ، وعمق الأسف والألم الذي أثارته الأحداث، ماذا لو تم ذلك مع جامع أو مسجد كبير ؟ . أما الكلام عن مسرحية عرضت منذ عامين ليوم واحد فقط داخل كنيسة مغلقة ، فإنه لا يصلح مطلقا لتبرير العنف . كان من الممكن التقدم بشكوى إلي شيخ الأزهر ، أو البابا شنودة ، والتحقيق في الأمر ، ومعاقبة المسئولين عنه إذا كان في المسرحية ما يمس مشاعر المسلمين ، لكن أن يصبح العنف وسيلة لحل خلافاتنا خاصة في مجال الدين ، فأمر لا يمكن تبريره ، ولابد من مواجهته . أقول إن ما جرى شئ مؤسف جدا ، وهو تعبير مهذب ومقتضب عن مشاعر كثيرة أحسها من شاهدوا لقطات الهجوم الكبير . لكن لا الأسف يحل المشكلة ، ولا استنكار الغوغائية ، ولا شعور الأسى الذي يعبر عنه كبار المسئولين عن المؤسسات الدينية ، ولا الحديث الذي يلوذ به المثقفون حول " الوحدة الوطنية " ، و" الهلال والصليب " . وبعبارة أدق فإن المشاعر الطيبة ، والخطابات التي تستعيد ذكريات النسيج المشترك ، لن تنفع الآن بشيء . فما الذي يبقى من النسيج بعد أن تمزقه الخناجر والجنازير؟ لقد أصبح من الضروري للغاية أن تتدخل الدولة بشكل حازم من ناحية ، وأن يتحرك المثقفون في اتجاه مختلف من ناحية أخرى . لقد قلت إن الوسائل المستخدمة تدل على حجم العنف ومشروعه ، الأخطر أن من بين الذين ألقت النيابة القبض عليهم عددا من المتعلمين ، أي أن مشروع العنف بوسائله ومادته البشرية يتخطى حدود الفئات الغارقة في ظلمة الجهل ، وأن ما جرى ليس حالة مفاجئة ، أو تعبير عن مزاج فردي ، لكنه حدث يحمل سمات أوضاع تتكرر ، تقع كل مرة بصورة مختلفة ، لكن بقاسم عام مشترك فيما بينها . أصبح من الضروري أن تتدخل الدولة ، أولا لتغيير برامج التعليم ، لأن أولادنا يرضعون التعصب منذ الصغر ، ويرضعون الشعور بالانفصال عن الآخرين ، بسبب غياب البرامج التعليمية المشتركة التي تغرس في التلاميذ من الجانبين أن تاريخ مصر تاريخ مشترك، حافل بالمساجد والكنائس، وحافل بصور الكفاح والبناء المشترك مع أخوتنا المصريين الأقباط . أيضا لابد من التفكير في مادة ، تعلم التلاميذ من الجانبين أن الله هو الرحمن الرحيم ، وأن الله محبة وأن تجد هذه المادة ما هو مشترك بين الرسالتين السماويتين من تعاليم دينية وأخلاقية . ومن دون مراجعة لبرامج التعليم ، سنظل نسمع أن مدرسا قال لتلاميذه في الفصل : " كل مسلم سيدخل الجنة ممتطيا مسيحيا " ! وسنظل نقرأ أن مدرسا قال لتلاميذه من اعتقد أن الأرض تدور حول نفسها فهو كافر ! . لابد من مراجعة برامج التعليم ، وكيفية تأهيل المدرسين . ولابد أيضا من وقفة مع شيوخ الجوامع الذين لا يكفون في خطبهم عن إثارة الفرقة ، وزرع الكراهية للآخرين ، والتصريح بأن " من ليس منا فهو كافر " . لابد من مراجعة لبرامج التعليم ، ومراجعة كاملة لما يتلقاه أئمة الجوامع من علم ، لأننا في واقع الأمر أمام حالة اجتماعية وتربوية وثقافية عامة ، لن تنفع معها سوى رؤية بعيدة المدى تتبناها الدولة، إذا أرادت الدولة أن تشذب أشواك الشر . ويظل على المثقفين واجب الدعوة لمؤتمر ، وأكثر من مؤتمر ، ليضعوا بعد نقاش مطول توصياتهم صراحة بهذا الشأن ، مع طرح المشكلة كما هي، دون تمويه على أوضاع الأقباط ، أو تجميل للواقع القبيح الذي يولد التعصب فيه من رحم الجهل والفقر والتخلف . وإذا استطاع المثقفون أن يعقدوا مؤتمراتهم بهذا الشأن فإنهم سيشكلون قوة ضغط قادرة على أن تقود الدولة إلي تبني استراتيجية حقيقية لنزع جذور الإرهاب. فلم يعد رش الماء على حد السكين يصلح شيئا ، ولم تعد الطبطبة على الآخرين تنفع ، ولا يجدي قولنا كل مرة : " معلش يا جماعة .. احنا مع بعض آهو " . نحن في أشد الحاجة إلي برامج تعليمية مختلفة ، وأئمة جوامع مختلفين ، وإزالة كل القوانين التي تكرس للتفرقة داخل الدولة ، لأن ربنا لم يمنحنا سوى وطن واحد ، أيا كان هو كل ما نملك ، وعلينا بكل ما نملك أن نصونه ونحميه ، ليغدو – ولو في أحلامنا - أجمل الأوطان.