عشاق الله

مسلمون و مسيحيون يحتفلون بأضحية العيد

 

مسلمون و مسيحيون يحتفلون بأضحية العيد

هل تفكر أحد من المسيحيين و المسلمين في المصادفة السارة التي تجمع هذه السنة عيدين من أهم أعياد المسيحيين و المسلمين: عيد ميلاد السيد المسيح لدى المسيحيين، و عيد الأضحى المبارك لدى المسلمين. شخصيا تفكرت كثيرا في المغزى الرمزي لحلول هاتين المناسبتين العظيمتين في أسبوع واحد. إنها إشارة ربانية عميقة يجب التقاطها من طرف كل محب أو داعية للتقارب الروحي بين المسيحيين و المسلمين. و هاكم ما خلصت إليه تأملاتي، على أن أنتظر تعليقاتكم على هذه الكلمة الافتتاحية.فالحكمة من عيد الأضحى المبارك تتضمن نقطتين محوريتين. الأولى هي التقرب إلى الله، و الثانية إحياء سنة أبينا إبراهيم عندما هم بذبح ابنه طاعة لأمر الله، فافتداه الله بذبح عظيم:

. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ" (سورة الصافات: 102-109).

نقرا أيضا نفس القصة تقريبا، و إن بتفاصيل أكثر في سفر التكوين، الإصحاح 22.ليس هذا و حسب. بل أظن كقارئ للتوراة أن عيد الأضحى يرتبط ارتباطا واضحا بعيد الفصح أو يوم العبور لدى بني إسرائيل. ذلك أن الله كان قد أرسل موسى إلى فرعون ليقول له: ‘‘إطلق شعبي ليعبدني!’’ ولكن فرعون استكبر و رفض أن يطيع أمر الله على لسان موسى، بل استهزأ به قائلا: ‘‘من هوالرب؟ لن أطلقَ شعب إسرائيل!’’ فكان أن ضرب الله مصر تسع ضربات رهيبة، وقعت على كل الشعب، ما عدا بني إسرائيل. غير أن كل ذلك لم يثن فرعون عن استكباره و سخريته بأمر الله. فكلم الله موسى قائلا: ‘‘ضربةً واحدةً أيضاً أجلب على فرعون وعلى مصر. بعد ذلك، يطلقكم من هنا!’’ هذه الضربة هي قتله لكل أبكار مصر. فقد قررتعالى أن يقتل جميع أبكار مصر في ليلة واحدة، على أن يستثني أبكار بني إسرائيل، لكنه اشترط لذلك على كل بيت من بني إسرائيل في مصر أن يذبح في تلك الليلة خروفا، و يضع الدم على باب البيت. لنتأمل الحدث كما هو مذكور في سفر الخروج:

"وَخَاطَبَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَرُونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ قَائِلاً: «مُنْذُ الآنَ يَكُونُ لَكُمْ هَذَا الشَّهْرُ رَأْسَ الشُّهُورِ وَأَوَّلَ شُهُورِ السَّنَةِ. خَاطِبَا كُلَّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ قَائِلَيْنِ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَاشِرِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ حَمَلاً لِعَائِلَتِهِ، وَفْقاً لِبُيُوتِ اْلآبَاءِ، حَمَلاً لِكُلِّ عَائِلَةٍ. وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ صَغِيراً لاَ يَسْتَهْلِكُ حَمَلاً كَامِلاً، يَتَقَاسَمُهُ هُوَ وَجَارُهُ الْقَرِيبُ مِنْهُ بِحَسَبِ عَدَدِ الأَشْخَاصِ الْمَوْجُودِينَ هُنَاكَ، بِمِقْدَارِ مَا يَسْتَطِيعُ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَأْكُلَهُ مِنَ الْحَمَلِ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَمَلُ ذَكَراً ابْنَ سَنَةٍ، خَالِياً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، تَنْتَقُونَهُ مِنَ الْخِرْفَانِ أَوِ الْمَعِيزِ. (...) فَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَجْتَازُ فِي بِلاَدِ مِصْرَ وَأَقْتُلُ كُلَّ بِكْرٍ فِيهَا مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ وَأُجْرِي قَضَاءً عَلَى كُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا هُوَ الرَّبُّ. أَمَّا أَنْتُمْ فَإِنَّ الدَّمَ الَّذِي عَلَى بُيُوتِكُمُ الْمُقِيمِينَ فِيهَا يَكُونُ الْعَلامَةَ الَّتِي تُمَيِّزُكُمْ، فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ، فَلاَ تَنْزِلُ بِكُمْ بَلِيَّةُ الْهَلاَكِ حِينَ أَبْتَلِي بِهَا أَرْضَ مِصْرَ. وَيَكُونُ لَكُمْ هَذَا الْيَوْمُ تَذْكَاراً تَحْتَفِلُونَ بِهِ عِيداً لِلرَّبِّ، فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً تَحْتَفِلُونَ بِهِ فِي أَجْيَالِكُمْ". كثير من الأشياء هنا تحيل على عيد الأضحى أيضا لدى المسلمين. لعل أبرزها هو تأكيد الله على أن تكون الذبيحة خالية من كل عيب. و هو ما يجعلنا نستحظر شروط الأضحية لدى المسلمين و التي تتلخص في كونها سالمة من العيوب و هذه العيوب هي :
العوراء , والعرجاء , والعجفاء ( الهزيلة , المريضة) ,والقرناء (المكسورة القرن من أصله) ,أو مقطوعة الأذن من أصلها.

لكن هناك أيضا شيء هام جدا يبدو أنه يربط ما قلناه بخصوص عيد الأضحى و عيد الفصح بسيدنا عيسى المسيح كما يؤمن به المسيحيون. ففي يوم عيد الفصح الذي دأبت بنو إسرائيل على الاحتفال به تم أيضا صلب السيد المسيح الذي سماه يوحنا أو يحيى بن زكرياء بحمل الله أي خروفه و ذلك في إنجيل يوحنا   29:1. يا للمصادفات الغريبة:" وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي رَأَى يُوحَنَّا يَسُوعَ آتِياً نَحْوَهُ، فَهَتَفَ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ حَمَلُ اللهِ الَّذِي يُزِيلُ خَطِيئَةَ الْعَالَمِ."  
هكذا نرى أنه كما تمَّم يسوع رمز ذبيحة إبراهيم ( ذبيحة عيد الأضحى)، هكذا أيضاً تمَّم يسوع رمز حمل الفصح. أما أولئك الذين صلبوه في ذلك اليوم، فقد كانوا يفعلون هذا عن جهل. ولكن الله كان قد دبَّر ذبيحة المسيَّا قبل أن يخلق العالم. (انظر رؤيا 8:13؛ أعمال 17:3)

إن يسوع هو الذبيحة الكاملة لأنه بلا عيب او خطيئة و أيضا النهائية لغفران الخطية. ودم يسوع المسيح هو الثمن القانوني الذي تطلَّبه الله ليفدي نسل آدم من سلطان الخطية. ولهذا تقول كلمة الله:
"المسيح فصحنا قد ذُبِح (من أجلنا)." (1كورنثوس 7:5)
"لأن المسيح، إذ كنا ضعفاء، مات في الوقت المعيَّن من أجل الفجَّار. فإنه بالجهد (أي من النادر) يموت أحدٌ لأجل بارٍ. ربما لأجل الصالح، يجسر أحدٌ أيضاً أن يموت. ولكن الله بيَّن محبته لنا؛ لأنه، ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا!" (رومية 6:5-8)يا لها من ترابطات عظيمة و جديرة بالتأمل و التفكير. فلنغتم فرصة هذين العيدين العظيمين، و ننخرط في حوار محبة هادف مع أهلينا، و أحبائنا، و أصدقائنا، و جيراننا.

نادر عبد الأمير

اقرأ أيضا الكلمة الرائعة التي رد بها الأستاذ ياس خضير محمد الشمخاوي على هذه الافتتاحية