مسألة الخلق وارتباطها بالمحبة
نادر عبدالأمير
أرى في فهمي البسيط لمسألة الخلق في الكتاب المقدس أن عقيدة الخلق لا تتوخى بالدرجة الأولى تفسير كيفية أو تكوين وجود الكون، بل هي في اعتقادي تتوخى أولا إظهار معنى الوجود، وتوضيح أن هذا الوجود نابع من الله تعالى الذي هو مصدر كل وجود. وحيث لم يستطع العلم رغم تطوره تفسير كيفية تكوّن العالم تفسيرا عقلانيا مؤكدا ونهائيا، فكان قصاراه فقط تقديم نظريات عن كيفية هذا التكوّن، يبقى الإيمان هو وحده القمين بتفسير العلاقة الحميمة بين هذا الكون وخالقه.
«ولو كانَ لأحَدِكُم كَرامةُ النُّبُوءَةِ وكانَ عالِمًا بكُلِّ الأسرارِ، وفاهِمًا لكُلِّ الأشياءِ، وإن بَلَغَ بإيمانِهِ قوَّةً يَنقُلُ بها الجِبالَ، ولكنَّهُ خالٍ مِن مَحبّةِ الآخَرينَ، فإنّهُ لا مَكانةَ لهُ عِندَ اللهِ. ولو تَصَدَّقَ أحَدٌ بكُلِّ أملاكِهِ للفُقَراءِ، أو ضَحَّى بحَياتِهِ في حَريقٍ في سَبيلِ اللهِ حتّى يَفتَخِرَ بتَقواهُ، ولكنَّهُ بِلا مَحبَّةٍ للآخَرينَ، فإنّهُ لا أملَ لهُ في الجَزاءِ. المَحبَّةُ تَدفَعُ الإنسانَ ليَكونَ صَبورًا مُشفِقًا، لا يَعرِفُ الحَسَدَ ولا التَّباهي ولا التَّكَبُّرَ. ومَحبَّةُ الآخَرينَ لا تَجعَلُهُ وَقِحًا أنانيًّا، ولا أهوَجَ ولا مُتَتَبِّعًا أخطاءَ النّاسِ في حَقِّهِ، لا يُفرِحُهُ ظُلمُ الظّالِمينَ، بل يُسعِدُهُ الحَقُّ. إنّ مَحبَّةَ الآخَرينَ تَجعَلُ المُحِبَّ آيةً في الصَّفحِ عن العالَمينَ، وهو دائمًا في الإيمانِ راسِخٌ، وبالخَيرِ الّذي سيُنزِلُهُ اللهُ على أحبابِهِ واثِقٌ، ومُتَحَمِّلٌ لكُلِّ المَصاعبِ في سَبيلِهِم.» (الرسالة الأولى إلى أهل كورنتوس 13: 2ـ 7)
إذا كانت المحبة هي الجوهر والدافع لخلق الإنسان، فما هو السبيل لجعلها منهاجا يوميا في حياتنا لضمان الحياة الرغدة الكريمة السعيدة التي أرادها الله لنا على الأرض. للإجابة على هذا السؤال يمكن القول أن هذا المنهاج يتحدد في ثلاث نقط أساسية هي:
- الصلة الحية بين الله والإنسان مصداقا لكلام يوحنا في رسالته الأولى «نَحنُ نُخبِركُم بِما رَأينا وسَمِعنا، حَتّى تَستَمِرّوا مَعَنا في العُروةِ الوُثقى. ولا تَكونُ عُروتُنا الوُثقى إلاّ مَعَ اللهِ الأبِ الرَّحيمِ ومَعَ سَيِّدِنا المَسيحِ الابنِ الرُّوحيِّ لهُ تَعالى.» (1 يوحنا 1: 3) وأيضا بولس بقوله «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ».( الرسالة الثانية إلى أهل كورنتوس 13: 14)
- الصلة الحية بين الإنسان والإنسان مصداقا لقوله تعالى في سفر التكوين «وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ» (سفر التكوين 2: 18)، بمعنى خلق نظير مساو له لا أكثر ولا أقل. ومصداقا له في الوصية العظمى الثانية التي أخبر بها السيد المسيح «والوَصيّةُ الثّانية مِثْلُها وهي: ‹أحِبَّ جارَكَ كَما تُحِبُّ نَفسَكَ›.». (إنجيل متى 22: 39)
- الصلة مع باقي المخلوقات:
لأن الإنسان جسد مخلوق من طين الأرض فهو قادر وقابل ومؤهل للتعامل مع باقي المخلوقات التي خلقها الله، ولهذا السبب بارك الله تعالى الإنسان وأعطاه بسطة على باقي المخلوقات مثلما أخبر في سفر التكوين حيث نقرأ: «وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ» (سفر التكوين 1: 28)