
فكرتان عن الخلق
نادر عبد الأمير
الخلق محبة
نجد مرارا في مستهل سفر التكوين عبارة «وقال الله…» التي تفسر خلق الله للعالم وللإنسان. والقول هو عملية النطق بالكلام، ونفهم من ذلك أن كلمة الله في الخلق تعطي الانسان الوجود والكينونة. ولولاها ما كان. كما أن كل كلمة ننطق بها تعبر عن علاقة حوار مع كيان ما أو بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص. لذلك نرى أن الانسان الذي تم خلقه بكلمة من الله، هو بسبب ذلك الخلق موجود في الصلة مع الله. ولأن الكلمة التي أتى بها الانسان إلى الوجود منطوقة من فم الله فهي تكريم لهذا الانسان لا استعباد أو امتهان له.
فبواسطة عملية الخلق منح الله الانسان الوجود، إلا أن هذه العطية ليست بتاتا عطية سيّد لعبد ولا محسن لشحاذ يتوسل العطاء، بل عطاء خليل لخليله وأب لابنه وحبيب لحبيبه. والشاهد في هذا «أن الله محبة» (١ يوحنا ٤: ٨)، والخلق من هذا المنظور هو عمله الأول الذي به أظهر الله محبته، وما على الإنسان إلا أن يفتح قلبه للإيمان ليلمس تلك المحبة.
وبسبب تلك المحبة يخبرنا الكتاب المقدس بعهديه كيف واصل الله اهتمامه بخليقته عندما وضع تعالى خطة افتدائه لنا عبر سيدنا عيسى المسيح.
أَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.- (يوحنا ٣: ١٦)
أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ هَذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ. – (١ كورنثوس ١٣: ١٣)
الخلق إبداع
عندما نسمي الله خالقا فذلك تأكيد منا أنه مبدع. فقد أبدع الله تعالى الكون كما يبدع الرسام لوحته أو الموسيقي معزوفته. لذلك لا ينبغي تصور إلهنا كساحر أو صانع غير معني بما يصنع. بل ينبعي تصوره كفنان مبدع يخلق الحياة ويبدع فيها الجمال منيرا كل ما تلمسه يداه بالمجد والبهاء. كما أن الفنان يخلق ما يعكس نفسه… لذلك لا بدّ لنا لمعرفة فنان من دراسة أثاره وأعماله. والمؤمنون المتنورون هم الدارسون لأعمال الله. ونتائج دراساتهم تأتي عبارة عن إعجاب ورهبة وذهول وتسبيح وصلاة وبكاء أمام روعة عمله.
«اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (سفر المزامير ١٩: ١)
«أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الأَرْضِ! حَيْثُ جَعَلْتَ جَلاَلَكَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ» (سفر المزامير ٨: ١)
«حَدِّثُوا فِي الأُمَمِ بِمَجْدِهِ وَفِي كُلِّ الشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ» (سفر أخبار الأيام الأول 16: 24؛ سفر المزامير ٩٦: ٣)