عشاق الله

السماء المفتوحة

نادر عبد الامير
ونحن على بعد أيام معدودات من ليلة القدر لدى إخواننا المسلمين في هذا الشهر المبارك، أود أن أتكلم قليلا في هذه الافتتاحية لموسم القوة عن أحد مظاهر تجلي قوة الرب...أو ليست ليلة القدر لدى إخواننا المسلمين هي احتفال بالحضور القوي للملائكة والروح القدس، وفرح عظيم بانفتاح السماء؟
نعرف طبعا أن التفاسير والتأويلات بخصوص هذه تسمية هذه الليلة تتعدد وتختلف لدى العلماء المسلمين. فمنهم من يقول أنها سميت بليلة القدر لعظمة قدرها أي شأنها، إذ فيها بالنسبة لهم تنزل القرآن الكريم. بينما يقول آخرون أنها سميت كذلك لأن الله في تلك الليلة قدر لعباده ما سوف يصيبهم طيلة تلك السنة، وهو بذلك يحدد فيها أقدارهم، إلى غير ذلك من التأويلات القريبة والبعيدة، الأليفة والغريبة أحيانا. لكن الرابط بين كل تلك التفاسير والتأويلات هو الإجماع أن تلك الليلة من أهم الليالي لدى المسلمين، حيث يحيونها كما لا تحيى ليلة أخرى، فيقيمون الصلوات طوال الليل إلى الفجر ويجأرون بالأدعية والابتهالات طالبين الغفران والفرج والشفاء والبركة، صادقين في دعواتهم وصلواتهم مصداقا للسورة القرآنية المشهورة التي تحمل نفس الاسم:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ⦅١⦆ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ⦅٢⦆ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ⦅٣⦆ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ⦅٤⦆ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ⦅٥
والإنجيل يتكلم أيضا عن لحظة انفتاح السماء كمظهر عظيم من مظاهر قوة الرب، ولو أن هذا الانفتاح لدى المسيحيين لا يرتبط بيوم أو ليلة معينين، بل يتم التركيز فيه على العظمة والقوة لكون هذا الانفتاح للسماء يمثل واحدة من أعظم البدايات في حياة البشرية التي ليست سوى بداية العهد الجديد المتمثل في قدوم السيد المسيح المبارك، وهي بداية توقف عندها القرآن الكريم وقفة عظيمة في سورة مريم وفي العديد من السور الأخرى.
فالسيد المسيح قد أعلن بالفعل بداية خدمته بهذه القولة العظيمة:«الحقَّ أقولُ لكُم، سترَونَ السَّماءَ في رُؤيا وقد انشَقَّت ومَلائكةَ اللهِ صاعدةٌ هابِطةٌ على سَيّدِ البَشَر» (يوحنا ١: ٥١). وهذا الإعلان لم يكن مجرد خطاب بلاغي فقط، بل كان حضورا فعليا لقوة الرب. فالإنجيل والقرآن متفقان على قوة وعظمة هذا الحضور حيث يجد المتتبع لسيرة المسيح أنه كان يشفي المرضى، ويطعم الجموع بنزول الموائد العظيمة، ويبرئ البرص، ويفتح عيون العمى، ويحيي الموتى ويخلق الحياة بإذن الله، ويعزي الحزانى وينشر السلام. ففي السيد المسيح ظهرت قوة وعظمة الله. ويمكنني القول أن هذه بالنسبة لنا كمسيحيين هي ليلة القدر الأبدية التي نؤمن ونتمسك بها ونريد ان نفرح من خلالها مع إخواننا المسلمين في هذا الشهر المبارك وليلتهم المباركة. إنها بالنسبة لنا أبدية لأننا نعيشها كل يوم من أيامنا حيث السماء ظلت مفتوحة منذ قدوم السيد المسيح وموته وارتفاعه وسوف تبقى مفتوحة تنزل منها الروح والملائكة والبركة والخير والفرح والشفاء والسلام لكل من يؤمن بالسيد المسيح وما عمله لخلاص البشر.

حقوق نشر الصورة © Marina Pissarova | Dreamstime.com