عشاق الله

الشجاعة العظيمة

نادر عبد الأمير

يعلمنا السيد المسيح الوثوق فى الله. لذلك عمل على تمتين إيماننا لنتشجع ونثق فى الله وفى تمام قوته "سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب" (يوحنا 14 : 27). اننا نثق فى الله ثقة أبناء بررة في أبيهم، لأنناعندما نبني علاقتنا مع الله على أساس الشعور بالأبوة نأمن له ونطمئن لرعايته تعالى وتدبيره لشؤون حياتنا. لقد دعانا الله أن لا نخاف من الحياة، ولا نترك هموم الحياة تثقلنا مهما كانت الأحوال، ولا نترك القلق يسيطر علينا مهما كان ضغط الظروف. فالكوارث الطبيعية والأمراض والمصاعب ليست مظهرا للغضب الالهي، والله غير مخيف ولا منتقم. فهو مثل أب يرعى أبناءه ويعتني بهم ويحبهم. لذلك ينبغى أن نتعامل معه من باب الثقة فى وجوده معنا وفى محبته ورعايته لنا. 

لقد دعانا تعالى ألا نخاف من الدينونة ما دمنا مستعدين لذلك اليوم، مستغفرين وتائبين، واثقين أن ذلك اليوم سيكون يوم مجازاة وفرح سماوي.  كما أن الخشية من يوم الدينونة هي خشية تدعو لنشدان الخلاص، فالمخافة من هذا المنظور طريق الحكمة، ومخافة الله رأس كل حكمة روحية. إن مخافة الله وحده تعلم الحذر والانتباه وتذهب الكسل وتقي من الاستهتار، لذلك دعانا الله تعالى للسهر الروحى لأجل خلاص نفوسنا، وأمرنا أن نظل حذرين مداومين على الصلاة والسهر الروحيين. 

وقد رأينا أيضا في شخص سيدنا عيسى المسيح تكامل الفضائل. ومنه عرفنا أن الشجاعة الحقيقية ليست الطيش أو الاندفاع والتهور، بل الشجاعة من منظوره هي الحزم متى كان ذلك ضرورة، وهي القوة الروحية التي لا تضعف أمام الشر ولا تهادنه الشر متى وجبت مقاومة الشر. وسيدنا عيسى المسيح المسيح هو الذي كتب عنه "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته" (متى 12 : 19). وهو نفسه الذي رأينا حزمه مع أولئك الذين حولوا بيت الصلاة الى مغارة للصوص "وكان فصح اليهود قريبا فصعد يسوع الى اورشليم. ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما والصيارف جلوسا. فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة. فتذكر تلاميذه انه مكتوب غيرة بيتك اكلتني" يوحنا 13:2-17. لقد كان قويا شجاعاً فى توبيخه للكتبة والفريسيين المرائين حين خاطبهم قائلا: "لكن ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تاكلون بيوت الارامل ولعلة تطيلون صلواتكم لذلك تاخذون دينونة اعظم. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم اكثر منكم مضاعفا.ويل لكم ايها القادة العميان" متى 13:23-16.

كان سيدنا عيسى كذلك قوياً شجاعاً فى حجته وفي إقناعه وإفحامه للآخرين كما فعل مع من منعوا عمل الخير فى السبوت تحت حجة عدم كسر السبت: "ثم انصرف من هناك و جاء الى مجمعهم. واذا انسان يده يابسة فسالوه قائلين هل يحل الابراء في السبوت لكي يشتكوا عليه. فقال لهم اي انسان منكم يكون له خروف واحد فان سقط هذا في السبت في حفرة افما يمسكه و يقيمه.فالانسان كم هو افضل من الخروف اذا يحل فعل الخير في السبوت. ثم قال للانسان مد يدك فمدها فعادت صحيحة كالاخرى." متى 9:12-13.

وفوق هذا وذاك ينبغي أن نذكر أن الصليب هو علامة قوة المحبة والبذل والفداء فى رسالة سيدنا عيسى المسيح، فقد أعلن لتلاميذه انه سيسلم للأمم وسيستهزؤون به، ولكنه سيقوم فى اليوم الثالث. كما قال عن حياته "ليس احد ياخذها مني بل اضعها انا من ذاتي لي سلطان ان اضعها و لي سلطان ان اخذها ايضا" (يوحنا 10 : 18) . ففي شخص السيد المسيح التقت المحبة بالشجاعة والبذل والتضحية. وفيه اجتمع العدل والرحمة. إنه هو الذي أعلن في بداية رسالته: "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن الانسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية .لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان و الذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم و احب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة" يوحنا 14:3-19.

بهذه الروح العظيمة أبان الشهداء عن قوة إيمانهم، ولم يرتعبوا من الإمبراطورية الرومانية بجيوشها وأسودها وكل تعذيبها الذي أذاقته للمؤمنين برسالة سيدنا عيسى، حتى انتصر الإيمان على الوثنية وأعلنت المسيحية أخيرا ديانة للدولة الرومانية فى عهد قسطنطين قبيل منتصف القرن الرابع، رغم استمرار موجات الاضطهاد للمؤمنين بعد ذلك من طرف أعداء المسيح عبر الأجيال.