عشاق الله

السلطان الذي أشعل نيران الروح

السلطان الذي أشعل نيران الروح

نادر عبد الأمير

"فانطَلِقوا إذن وطُوفوا في الأرضِ على جَميعِ الشُّعوبِ وحَدِّثُوهُم عن رِسالتي حتّى يُؤمنُوا بِها ويَصيروا مِن أتباعي، وكدَليلٍ على إيمانِهِم، طَهِّرُوهُم بالماءِ باسمِ اللهِ الأبِ الصَّمَدِ والابنِ الرُّوحيِّ لهُ ورُوحِهِ تَقدَّسَ وتَعالى، وعَلِّمُوهُم أن يَعمَلوا بكُلِّ ما أَوصَيتُكُم بِهِ، وتَيَقَّنوا بأنّي سأكونُ مَعَكُم على الدَّوامِ إلى آخِرِ الزّمانِ." (الوحي حسب الحواري متى 28: 18- 20)

"وأخيرًا، ظَهَرَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) لحَوارِيِّيهِ الأحَدَ عَشَرَ عِندَما كانوا يَتناوَلونَ الطَّعامَ، فأنَّبَهُم على عِنادِهِم وقِلَّةِ إيمانِهِم وعَدَمِ تَصديقِهِم لمَن شاهَدوهُ بَعدَ قيامَتِهِ، وأمَرَهُم قائلاً: "طوفوا على جَميعِ النّاسِ في العالَمِ، وزُفّوا البُشرى: مَن يُؤمِنُ بي ويَتَطَهَّرُ بالماءِ فَهوَ مِنَ النّاجينَ، وأمّا مَن لا يُؤمِنُ بي، فسَوفَ يُدينُهُ اللهُ على ذلِكَ.  وسَتَكونُ للمُؤمِنينَ بي كَراماتٌ وآياتٌ للنّاسِ: فسَيَطرُدونَ الشَّياطينَ بِاسمي، وسيتحَدَّثونَ بِلُغاتٍ غَريبةٍ عَنهُم، وسَتَكونُ لَهُمُ القُدرةُ على الإمساكِ بالحَيّاتِ دونَ أن تُؤذِيَهُم، ولئِن دَخَلَ جِسمَ أحَدِهِم سُمٌّ فَلَن يَضُرَّهُم، وَسَتَكونُ لهُمُ القُدرةُ على شِفاءِ المَرضى بِلَمسِهِم". ثُمّ رُفِعَ بَعدَ ذلِكَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) إلى السَّماءِ، لِتَكونَ لهُ مَكانةٌ رَفيعةٌ عِندَ رَبِّهِ، بأن جَلَسَ عَن يَمينِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وأمّا أتباعُهُ، فقَدِ انتَشَروا في جَميعِ الأنحاءِ يُبَشِّرونَ بِرِسالتِهِ، وأيَّدَهُم سَيِّدُنا (سلامُهُ علينا) بِمُعجِزاتٍ تُبَرهِنُ على صِدقِ كَلامِهِم." (الوحي حسب مرقس الرفيق 16: 14- 20)   

هذه الشواهد الكتابية من أقوى ما يعبر عن سلطان اسم سيدنا عيسى المسيح. بعد انتهاء حياته وخدمته على الأرض. فعندما أنهى تعاليمه ومعجزاته وآلامه، وبعد موته فى الجلجثة وقيامته مرة أخرى من أعماق الموت. بعد كل هذه الأحداث انتقلت خدمة سيدنا عيسى إلى يد الحواريين رغم كونهم جماعة قليلة بالنظر إلى مسئولية جسيمة كهذه. فالخدمة والمسئولية التى كلف بها السيد المسيح حوارييه امتدت بعده إلى أقصى الأرض بفضل أنه أعطاهم مسئولية وسلطان حمل الإنجيل الشريف إلى كل بقاع العالم. 

لقد منحهم هذه المسئولية الجسيمة، لكن أعطاهم أيضا بعض التعليمات بخصوص البقاء فى مدينة القدس حتى ينالوا قوة خاصة. "وَبَيْنَمَا كَانَ مُجْتَمِعاً مَعَهُمْ، قَالَ: «لاَ تَتْرُكُوا أُورُشَلِيمَ، بَلِ ابْقَوْا فِيهَا مُنْتَظِرِينَ إِتْمَامَ وَعْدِ الآبِ، الَّذِي سَبَقَ أَنْ حَدَّثْتُكُمْ عَنْهُ. فَإِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ النَّاسَ بِالْمَاءِ؛ أَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ!" (أعمال الرسل 1: 4- 54)

"وَلَكِنْ حِينَمَا يَحُلُّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ تَنَالُونَ الْقُوَّةَ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَالْيَهُودِيَّةِ كُلِّهَا، وَفِي السَّامِرَةِ، وَإِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ". (أعمال الرسل 1: 8)

يتضح من هنا أن مصدر القوة والسلطان فى خدمة سيدنا عيسى كانت هى قوة الروح القدس. لم تكن من أى شىء أخر. نتذكر في هذا السياق أن سيدنا عيسى نفسه لم يفعل أى شئ، ولم يحقق معجزة واحدة، قبل حصوله على معمودية الروح القدس فى نهر الأردن. لهذا كان على الحواريين الحصول على نفس القوة ونفس المسحة من نفس المصدر الذي حصل منه سيدنا عيسى قبل تحمل هذه المسئولية وحملها إلى العالم أجمع. 

نتذكر أيضا ما فعله الحواريون بعد ذلك؟ يذكر الكتاب أن حوالي مئة وعشرين منهم كانوا مجتمعين انتظار يوم الخمسين على موعد واحد وبقلب واحد. وفي ذلك اليوم بالذات ولدت الكنيسة من ألسنة نيران الروح القدس. وتأهب أتباع السيد المسيح منذ ذلك اليوم لنشر بشائر الإنجيل الشريف والدعوة إلى تعاليمه. فحدثت معهم أمور كثيرة. أيات وعجائب وكرامات ومعجزات صاحبت دعوتهم تمجيدا لكلمة الله.. لم يستطع شيء الوقوف أمامهم. لم تستطع قوة أن تعيقهم أو توقفهم. لقد تم اضطهادهم وسجنهم وجلدهم بالسياط وقتلهم بحد السيف...... مع ذلك لم ينجح شيء في إيقافهم لأن سلطان المسيح الذي أعطي له كان يشعل في كل مرة نيران الروح.