مفهوم المؤمن للخلق
نادر عبد الأمير
المفهوم الإيماني الصحيح لمسألة الخلق هو أن بين الله تعالى وخلقه ارتباطاً وثيقا متواصلا، فالخلائق جميعا مرتبطة بالله ارتباطها بمبدإ وجودها وكيانها.
ان مسألة الخلق لا تهدف في الأساس إلى تفسير كيفية وجود الكون. بل جلّ ما ترمي إليه هو إظهار معنى وجود الكون والتأكيد على أن هذا الوجود مصدره الله ينبوع كل وجود ومصدر كل شيء. أما تفسيرات العلم لكيفية وجود العالم وتكوينه فليست تفسيرات مؤكدة ونهائية بقدر ما هي مجرد نظريات قابلة للنقاش، لأن الإيمان وحده الكفيل باكتشاف العلاقة الحميمة التي تربط هذا الكون بخالقه.
تلك العلاقة الحميمة هي في العمق علاقة محبة، إذ الخليقة هي فيض من محبة الله اللامتناهية، وهبة مجانية من إله معطاء محب. من هنا العلاقة التي يقيمها الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد بين الخلق ومسألة الخلاص. فالله المخلص من خلال سيدنا عيسى المسيح هو نفسه الله الخالق، لأن الخلق والخلاص كلاهما فيض من محبة الله.
يقدم سفر التكوين مسألة خلق الكون والإنسان من خلال عبارة "وقال الله...". وهي عبارة تتكرر عدة مرات في النص. لأنه إذا كانت كلمة الله في الوصايا العشر ترسم للإنسان خريطة طريق للخلاص والحياة، فكلمة الله في الخلق تهب هذا الانسان الوجود والكيان. والكلمة كما نعلم هي طبعا أداة تواصل. لقد Hتى الانسان إلى الوجود بكلمة الله، لذلك فهو في أساس كيانه في علاقة تواصل مع الله.
بهذا المعنى نفهم كمؤمنين أن الخلق ليس استعباداً للإنسان ولا احتقاراً له. أظن أن إنكار الفلاسفة ورفضهم لوجود الله الخالق هو رفضهم مسألة أن وجود هذا الخالق هو وجه آخر للانتقاص من قيمة الانسان. لكن يبدو أنهم لم يفهموا المعنى الصحيح لمسألة الخلق، لأن رفضهم لوجود الخالق سببه الصورة الخاطئة التي تكونت لديهم عن هذا الخالق. الحقيقة أن الله يمنح بواسطة الخلق هبة الوجود للانسان، إلا أن هذه الهبة ليست هبة سيّد لعبد ولا أعطية محسن لمتسول، بل عطاء حبيب لحبيبه أوأب لابنه. "الله محبة"، والخلق هو عمل الله الذي من خلاله أظهر محبته. لذلك على الإنسان أن يستوعب ذلك ويفتح هو قلبه أيضا لتلك المحبة.
في البَدءِ، قَبلَ خَلقِ الكَونِ، كانَ الكَلِمةُ - كَلِمةُ الله.
وكانَ الكَلِمةُ مَعَ اللهِ، وكانَ قائِمًا في ذاتِ اللهِ.
قَبلَ خَلقِ الكَونِ كانَ كَلِمةُ اللهِ الأزليّ عِندَ اللهِ.
وبِهِ أبدَعَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ في الكَونِ فلا شَيءَ مَوجودٌ بلا كَلمةِ اللهِ.
فيه كانَتِ الحَياةُ، فأنارَت الحَياةُ كُلَّ البَشَر.
(إنجيل يوحنا 1)