عشاق الله

الشجاعة من منظور سيدنا عيسى المسيح...

نادر عبد الأمير

يعلمنا سيدنا عيسى الثقة فى الله تعالى .. فقد عمل على تقوية إيماننا لنتحرر من الخوف ونتوكل على الله ونثق فى قوته "سلاما أترك لكم سلامي أعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا" (يوحنا 14 : 2). فعندما نكون على صلة بالله على هذا الأساس نأمن له ونطمئن لرعايته ولتدبيره لحياتنا تماما مثلما نأمن ونطمئن لأب رحيم. لقد أكد لنا سيدنا عيسى أن الله يهتم بنا اهتمام أب بأبنائه، ودعانا ألا نخاف من الحياة، ولا نقلق مهما كان ضغط الظروف، وأكد لنا أن الكوارث والأمراض ومصاعب الحياة ليست علامات على غضب الله. فالله ليس كائنا مرعبا ولا منتقما إلا مع الاشرار والظالمين. الله أب راع يعتنى بالناس ويحبهم. لهذا السبب علينا التعامل معه من زاوية الثقة فى وجوده معنا، وفى محبته ورعايته لنا. لقد أوصانا ألا نخاف من يوم الدينونة طالما نحن نستعد ونتوب اليه. فالخشية من يوم الدينونة إنما هي خشية تدعو للخلاص، لأن المخافة كثيرا ما تكون طريق الحكمة، ومخافة الله رأس كل حكمة. لكنها المخافة التى تعلم الحذر والانتباه وتطرد الكسل والاستهتار، لذلك أيضا دعانا سيدنا عيسى للسهر الروحي لأجل خلاص نفوسنا. فمن الحكمة أن نكون حذرين مداومين على الصلاة والسهر الروحي. لقد علمنا ان نستعد للقاء الله فرحين بأعمال التقوى، وأشار لذلك بواسطة ثياب العرس، وحفظ الزيت فى الآنية، واستثمار الوزنات.

إننا نرى في سيدنا عيسى تكاملا عجيبا فى الفضائل. فالشجاعة بالنسبة له ليست هى الطيش أو الاندفاع والتهور، بل هي الحزم متى لزم ذلك، والقوة الروحية التى لا تلين ولا تهادن الشر متى كان واجبا مقاومة الشر. لقد كتب النبي إشعياء عنه "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته" (متى 12 : 19). كان شجاعا مع أولئك الذين حولوا بيت الصلاة الى وكر لصوص "وكان فصح اليهود قريبا فصعد يسوع الى اورشليم. ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما والصيارف جلوسا. فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة. فتذكر تلاميذه انه مكتوب غيرة بيتك اكلتني" (يوحنا 13:2-17). كما كان قويا حازما فى توبيخه للكتبة ورجال الدين الفريسيين المرائين "لكن ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تاكلون بيوت الارامل ولعلة تطيلون صلواتكم لذلك تاخذون دينونة اعظم. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم اكثر منكم مضاعفا. ويل لكم ايها القادة العميان" (متى 13:23-16).

بالإضافة لذلك كان سيدنا عيسى قوياً شجاعاً محجاجا دامغا فى حجته وإقناعه مثلما حدث عندما أقنع بشجاعة وجرأة شيوخ اليهود المتشددين الذين منعوا عمل الخير فى السبوت بسبب حرفية وتحجر تفسيرهم للكتاب تحت حجة عدم نقض السبت "ثم انصرف من هناك و جاء الى مجمعهم. و اذا إنسان يده يابسة فسالوه قائلين هل يحل الابراء في السبوت لكي يشتكوا عليه. فقال لهم اي انسان منكم يكون له خروف واحد فان سقط هذا في السبت في حفرة افما يمسكه و يقيمه. فالإنسان كم هو أفضل من الخروف إذا يحل فعل الخير في السبوت. ثم قال للإنسان مد يدك فمدها فعادت صحيحة كالأخرى." (متى 9:12-13).

أخيرا لابد من الإشارة إلى رمز الشجاعة الأكبر الذي هو الصليب. إنه رمز قوة المحبة بشجاعة والبذل بشجاعة والفداء بشجاعة، وليس أبدا علامة ضعف أو تخاذل. لقد أخبر سيدنا عيسى حوارييه أنه سيتم تسليمه والسخرية والاستهزاء به، وأنه سينتصر ويقوم من موته. إنه القائل عن حياته "ليس احد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان ان اضعها و لي سلطان ان آخذها ايضا" (يوحنا 10 : 18) . هكذا التقت في شخصه العظيم المحبة العظيمة بالشجاعة والبذل والتضحية كما التقى فيه العدل والرحمة ليموت السيد البار فداء للخطاة والآثمين مصداقا لما أخبر به في بداية دعوته "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن الانسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية .لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لأنه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان و الذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم و احب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة" (يوحنا 14:3-19).