عشاق الله

داعش ومأزق المؤسسة الفقهية الإسلامية

داعش ومأزق المؤسسة الفقهية الإسلامية
نادر عبد الأمير
تمثّل تنظيم داعش مأزقاً خطيرا لدى المسلمين، وعلى الأخص المؤسسة الفقهية الاسلامية، سواء السنيّة او الشيعية. فسلوكات هذا التنظيم، في تطبيق الحدود والأحكام باسم الشريعة، سواء عن طريق السبي أو الحرق أو الرمي من علوّ شاهق أو قطع الأيادي، قد فضحت مأزق المؤسسة الفقهية الدينية التي حاولت استنكار هذه الأحكام. ليس من منطلق الرفض بطبيعتها، بل من منطلق عدم أحقية هذا التنظيم في تنفيذ تلك الأحكام.

ذلك أنّ داعش لم تقم بتنفيذ أيّ حكم من أحكامها، والتي رآها العالم تجاه الأسرى أو المختلفين دينياً أو مرتكبي أعمال إجرامية، إلا وكان ذلك الحكم مستنداً إلى نصّ ديني. سواء من القرآن أو السنّة. تلك الأحكام موجودة في الكتب الفقهية لدى السنّة والشيعة. بهذا المعنى تقول “داعش” لكافة المسلمين والعالم أنها تطبّق الشريعة بحرفية النصّ، واستنادا إلى نصوص وأحكام تقرّ بمعظمها المؤسسة الفقهية الإسلامية.

وإن كان هذا الجانب من الظاهرة الداعشية يطرح بقوة نفسه اليوم ، على أساس الأفعال التي اقترفها التنظيم باسم الاسلام، فذلك يجب ألا ينسينا جانباً سياسياً واجتماعياً كان من أسباب نشوء هذه الظاهرة، تمثّل في الظروف السياسية التي عاشها العراق وسورية في ظل الاستبداد الحزبي والسياسي عموما ثم بعد ذلك الاحتلال الامريكي والفترة السياسية التي تلت ذلك.

داعش وفقهاؤها يفكّرون بعقل ظاهر النص، لا بعقل الاجتهاد. فيطبّقون النصّ حرفيا، حيث يبدو أنّ هذا التنظيم يبحث عن مسوّغات لأفعاله ولا يفكر أبدا بعقلية استنباطية واجتهادية، كما لا يأبه بما يسبّبه سلوكه من نتائج سلبية على الدين والناس. وربما هذا ما يطرح أسئلة بدت المؤسسة الفقهية الإسلامية أميل الى تأجيلها وعزلها. فالمؤسسة الفقهية، على اختلاف المذاهب، ظلت متخلّفة عن التصدّي لإعادة التفكير في مسألة الأحكام السلطانية اليوم وفق المعطيات الحديثة… وإن على مستوى فهم النص وقراءته وتأويله، خصوصا على مستوى الحدود والاحكام.

فهل ما  كان من أحكام يجب تطبيقها بحرفيتها، بمعنى قطع يد السارق أو جلد الزاني؟ وهي أحكام واضحة في حرفيتها. فداعش بهذا المعنى، هي نتيجة وليس سبباً أي نتيجة للفراغ الموجود بين ما يقتضيه العصر وبين عجز المؤسسة الفقهية عن تجاوز المنظومة الفقهية التقليدية. مما فتح الباب أمام داعش كي تتحرّك في هذا الهامش الواسع وتحرج الجميع.
لكن التاريخ الإسلامي عرف محاولات على صعيد كيفية التعامل مع الأحكام والحدود. بعض الفقهاء قالوا إنّ الحدود والأحكام تدور على المصلحة والمفسدة، وهو ما أدّى إلى توقيف العمل ببعض الأحكام والحدود لأن تنفيذها كان يضرّ بالمصلحة العامة كوقف أحكام قطع يد السارق في أزمنة انتشر فيها الفقر والمجاعة. وبغض النظر عن هذا يبقى السؤال: هل هذه الحدود والأحكام الفقهية التي طبقت في الماضي خصوصا في زمن الرسول، هي أحكام لكلّ الأزمنة؟