عشاق الله

الغفران والثورة .. رسالة إلى شباب الثورة العربية

بقلم: نادر عبد الأمير
لا تكون الثورات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وحسب. بل لا يستقيم وضعها وشأنها وتصبح جديرة بهذا الاسم حتى تكون ثورة أخلاقية. فالثورة ضد الظلم والقمع والعنف والفساد لا تصبح ثورة حقا حتى تستطيع الاضطلاع بشفاء الناس من الشرور التي اقترفها النظام الذي نهضت ضده. لكن لم يتناه إلى علم أحد أن الانتقام ورد الصاع صاعين كان يوما ما سبيلا للشفاء. الثورة الحقيقية الشعبية الشاملة الناجحة هي التي تبدأ عهدا جديدا بكل ما في كلمة الجدة من معنى. أي أن البداية الجديدة هي قطع جذري مع الماضي. وأول الطريق في هذه المسيرة هو الغفران والتسامح والتصالح فيما بين جميع مكونات الشعب. تقول كاترين يونغر  أنك "حينما تكن الكراهية لأحد، فإنك تصبح مرتبطاً بذلك الشخص أو تلك الحالة برابط وجداني أقوى من الصلب، والغفران هو الوسيلة الوحيدة للفكاك من هذا الرابط، وتحرير الذات." والقولة هي تنويع على العبارة التي قالها السيد المسيح في متى 26 حين جاء الحرس ليقبضوا عليه وهب أصحابه للدفاع عنه: "من يأخذ بالسيف، بالسيف يهلك"
إن أخطر ما تتعرض له الضحيّة سواء كانت فردا أم شعبا بكامله لا يقتصر فقط على معاناة وآلام الجسد التي كابدها الأفراد على يد الجلاد، بل يمتد أساساً إلى الروح التي يشوبها أيضا التشوه وهو ما يقود الضحايا إلى انحرافٍ نفسيٍّ وروحي خطير يتجلى في تمثلها وتقمصها شيئاً فشيئاً لشخصية الجلاد وأخلاقه.
في تلك العلاقة غير المتوازنة بين ضحيةٍ لا تملك سوى التحمل والصبر وجلادٍ يمتلك كل آليات القمع والتعذيب، ويحركه حقد عارم يمنحه طاقةً حيوانيّة لتعذيب جسد الضحية بعنفٍ بدائيِّ وبربريّ، يتحول صبر الضحية إلى حقدٍ كامن ينتظر فقط لحظة الانتقام. فإذا حدثت ثورة وتغيرت المواقع، وانفتح باب السجن وأصبحت الضحية حرة والجلاد سجينا، تتغير عادة الأدوار وتأخذ الضحية بيدها سوط الجلاد وسلطته، ويتدفق خزان الحقد ليتحول انتقاما، فتذيق الجلاد مرارة ما أذاقها من مهانة بنفس الأسلوب البربري الهمجي. عندما يحدث ذلك ويكون هو المآل الأخير للثورة تكف عن أن تكون ثورة، وتصبح مجرد حلقة تافهة في دورة تاريخية رتيبة يتبادل فيها الجلاد والضحية الأدوار.