عشاق الله

المحبة .. أسمى المشاعر

  لا يستطيع أحد مهما ادعى وحاول أن يحيا بدون محبة، سواء سلوكا أو إحساسا أو غير ذلك. فالمحبة تضفي على الحياة مسحة من الصفاء والراحة والهدوء، وتعطي الإنسان الرغبة في الحياة. كما أن المحبة والمشاعر الطيبة تتيح للناس التواصل، والتساكن، وتقاسم الحياة الاجتماعية.  وأسمى مشاعر المحبة ما ارتقى منها إلى مستويات روحانية أو كونية عالية.

وقد حاول الناس منذ آلاف السنين فهم هذا الشعور الإنساني العظيم وتعريفه ووصفه وتصنيفه. فتحدثوا عن أصناف كثيرة من العذري إلى الرومانسي إلى الأفلاطوني إلى الروحاني إلى الإنساني وغيره. لكنهم اتفقوا جميعا على تمجيد المحبة. وهو تمجيد لم تخل منه حتى الأديان السماوية التي أحيانا ساوت بين المحبة والإيمان. فقد روى مسلم عن أبي هريرة عن نبي الإسلام: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تتحابُّوا". وعن عمر بن الخطاب أن نبي الإسلام قال: "إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء, يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم في الله".
قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم؟
قال: "هم قوم تحابّوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولاأموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا حزنون إذا حزن الناس." 
لكن أبهى صور المحبة على الإطلاق هي التي جسدها سيدنا عيسى المسيح الذي قال: "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه من أجل أحبائه". قلت جَسَّدها لأنه لم يقف عند حدود القول والموعظة والتفكير النظري، بل تعداه إلى الفعل بموته العظيم على صليب الجلجثة. وليتساءل المتسائلون هل هناك تعبير على المحبة أكثر صدقا وقوة من تقديم النفس فداء لمن نحب؟ من ذا الذي يقدم نفسه ذبيحة لأعدائه قائلا لهم سأموت بدلاً عنكم كي تفوزوا الحياة؟ وأي موت!ونحن على الخصوص في عالمنا العربي والإسلامي بحاجة إلى تفجير طاقة المحبة التي طالما كبتناها داخلنا على مر العصور. فكم يتوق العربي لقول أحبك لأخيه أو صديقه أو جاره أو أمه أو أبيه أو ابنه ولكنه يجد دائما حرجا في التعبير عن محبته لأنه يفضل الأنفة والكتمان والأنانية على إطلاق العنان لنبع المحبة فياضا من داخله، وتحرير مشاعره. وهذا ما جعل نفسيتنا محبطة منغلقة أمام آفاق التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيره. وما الحركات الشبابية الثورية التي تندلع حولنا في الأوطان العربية اليوم سوى انقلاب جذري على نفسية الحرج والانغلاق والتحجر والإحباط، وإعادة اعتبار لقيم التلقائية وعفوية المحبة الإنسانية؟
بقلم نادر عبد الأمير