عشاق الله

المسيحيون العرب والثورة

قد تكون المسيحية أحوج إلى ثورة تهزّ حاضنتها الاجتماعية، علّها تتعمّد من أدران الدهور. فكل واقع مسيحي أنتج ثورته اللاهوتية: من لاهوت الكنيسة السوداء، إلى لاهوت الثورة، إلى اللاهوت النسوي، إلى لاهوت السياسة وغيره، إلاّ الواقع العربي فهو لا يزال ينتج لاهوت تآكله المسيحي. (...) ذلك أن ثمة سمة بارزة تطبع المسيحية العربية في الزمن الحديث، تتمثّل في طابع التشتّت الطاغي عليها، وربما من هذا الباب كان الأستاذ مشير باسيل عون محقا في كتابه: «  الفكر العربي الديني المسيحي  »، الصادر عن دار الطليعة في بيروت، حين أشار إلى أن ما يعوز الفكر المسيحي الحديث في البلاد العربية هو التجذّر الاجتماعي والحضاري، بما خلّف لديه من تشتّت في الرؤى وموالاة للخارج.

فذلك الإنسان البسيط، الذي بات في عداد الجدث، انطلقت قيامته من تونس وأتاهم من حيث لم يحتسبوا، سدّوا أمامه كافة المنافذ وأعماهم الله عن سدّ طريق الثورة. لذلك هناك أمل كبير في هذا الانبعاث علّنا نتطهّر من لغْو حوارنا الإسلامي المسيحي الزائف، ومن ادعاءات التسامح. فكم من ملتقيات للحوار أقيمت في بلاد المغرب، ولا يزال الإنجيل فيها مطارَدا كالأفيون، وكم من جلسات للحوار والكلام الجميل عُقدت في الخليج ودور العبادة المسيحية لا تزال موصدة، وكم من ادعاءات بالتعايش في المشرق ولا يزال الموت يحصد المستضعفين من أتباع عيسى وأحمد. لذلك أومن أن الحوار الإسلامي المسيحي يبدأ مع الثورة، أما ما ساد قبلها فقد كان فيه الكثير من الرياء والمراء.

فمنذ أن تنبّه لصوص السلطة في البلاد العربية إلى ما للدّين من قوة إنهاض، سلبوا الشعوب مؤسّساتها الرمزية، وحوّلوها إلى قطاع تابع وأوْقاف سلطانية، وبات القائمون عليها من بطاركة ومطارنة، وشيوخ ومفتين، سندا لحكّام ضلّوا وأضلّوا. إذْ لم تتعرّ المؤسسة الدينية الرسمية، بشقيها الإسلامي والمسيحي، مثلما تعرّت هذه الأيام. ذلك أن رهطاً من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، وهُم على قدم المساواة في ذلك، قد خدموا نُظما قاهرة عقودا، وبالتالي لا يرجى منهم أن يحالفوا بين عشية وضحاها الثورة، فقد صاروا جزءا من تلك الأنظمة ومن خطابها الإنجيلي والقرآني المنحول.


لقد خرج شباب مصر المسيحي إلى الثورة وما كانوا من المخلَّفين، مع أن كهنة السلاطين من حملة الصليب، استثقلوا خروجهم. فحدسُ الإيمان دلّ الشباب، أن المسيح ما كان للطّاغين نصيرا، فالمجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.

 

د. ع. عناية (بتصرف)