سي. إس. لويس: من الإلحاد إلى ملء الإيمان
إن الإيمان هو تلك التجربة الروحية التي يمر الكثيرون عندما تنفتح عيونهم الروحية ليختبروا قبس الالوهة، وما يشتهيه الشخص الباحث عن الله حقا هو اللقاء معه، فيعلن مثل أيوب "بسمع الاذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني."
هذه هي الخبرة الإنسانية الروحية التي تسمح للإنسان بمعرفة الله يقينا، والتعامل معه كذات لا كنص مقدس أو شريعة أو تقليد.
هنا يمتلك الإنسان الحرية والمعنى معا.
من أشهر الشخصيات التي اختبرت هذه الحقيقة الكاتب الإنجليزي المشهور سي . إس . لويس C.S. Lewis، فقد ترك عقيدته الموروثة وهو في سن الـ 15 عام ليعلن نفسه ملحدا، وفي إلحاده أعلن غضبه من الإله لعدم وجوده، فأين هو هذا الإله الذي يتكلم عنه الجميع، ولم يره أحد، في تلك الفترة عشق دراسة الأساطير، وتخصص في أدب الأساطير والأدب الإنجليزي، فصار لاحقا أستاذا للأدب الإنجليزي في جامعة كامبريدج.
ولكنه في إلحاده ظل يحتفظ بتلك التجربة الروحية التي اختبرها منذ أن كان طفلا، وأطلق عليها النشوة (Joy)، ظلت تلك التجربة ملازمة له ، وكانت من أهم الدوافع التي جعلته يبحث عن مصدرها ويكسر حاجز اللامنتمي إلى مستوى الرؤية، ويصف لويس المرحلة الأخيرة من انتقاله من الإلحاد واللاانتماء إلى الرؤية واللقاء والإيمان كما يلي:
"عليك أن تتخيلني وحيدا في غرفتي في كلية ماجدلين ، ليلة تلو الأخرى، كلما ترك عقلي التفكير في عملي ولو لثانية واحدة، كلما شعرت باقترابه المستمر مني، وهو الذي كنت لا أرغب في لقائه، هذا الذي خشيته جدا قد احتواني، وأخيرا استسلمت في 1929 واعترفتُ بأن الإله هو الإله، وانحنيت على ركبتي وصليت. ربما كنت في هذه الليلة أكثر المتحولين إلى المسيحية رفضا واكتئابا."
فمن هو سي. إس. لويس؟
إنه كاتب وباحث ايرلندي وُلد في 29 نوفمبر 1898 وتوفي في 22 نوفمبر 1963. تنوعت اهتماماته بين أدب القرون الوسطى وعلم العقائد في المسيحية والنقد الأدبي والبث الإذاعي والعلاقة الافتراضية بين الخير والشر، بالإضافة إلى سلسلة الأطفال الشهيرة التي كتبها،"سجلات نارنيا"، وكتب خيالية أخرى مثل رسائل سكروتيب وثلاثية الفضاء.
كان لويس صديقاً حميماً لج. ر. ر. تولكين، مؤلف سيد الخواتم. وكان كلاهما شخصيتين بارزتين في كلية الإنجليزية في جامعة أوكسفورد وفي المجموعة الأدبية غير الرسمية في أوكسفورد التي كانت معروفة بالإنكلينجز. وحسب مذكراته تحت عنوان "مفاجأة الفرح،" كان لويس قد تعمد في كنيسة أيرلندا عند الولادة، ولكنه ارتد عن إيمانه في سن المراهقة. وبفضل تأثير تولكين وغيره من الأصدقاء، رجع لويس إلى المسيحية في الثلاثين من عمره، وأصبح عضواً عادياً في كنيسة إنجلترا. وقد أثر تحوله الديني تأثيراً عميقاً على عمله، وجلبت له إذاعاته في زمن الحرب العالمية الثانية بشأن المسيحية شهرة واسعة.
في 1956، تزوج لويس من الكاتبة الأمريكية جوي جريشام، التي كانت أصغر منه ب17 سنة، والتي توفيت بعد 4 سنوات بسبب السرطان في ال45 من عمرها.
لقد تحول لويس من لامنتمي إلى ملء الإيمان والمعرفة والرؤية ، وكتب الكثير من الكتب التي أعلن فيها خبرته وفكره، أهمها كتابه “المسيحية البسيطة” (Mere Christianity) ، الذي تحدى فيه المسيحية الطائفية وأعلن مسيح كل العصور .
لويس ليس وحده ، فهذه الخبرة البشرية هي نفسها التي مر بها قديما يعقوب عندما خرج إلى عالم اللانتماء هربا من أخيه، ثم مر بتجربة روحية أخرجته من اللاانتماء إلى الرؤية والإيمان وأعلن عن تجربته قائلا : لأني نظرت الله وجها لوجه ونجّيت نفسي.
وهي نفس التجربة الإنسانية التي مر بها موسى النبي ، عندما خرج إلى عالم اللانتماء هربا من عقوبة جريمة قتل ارتكبها، فاعتزل الجميع إلى برية مديان، وفقد انتمائه إلى حكمة المصريين وعبودية اسرائيل، وخارج الأسوار التقى بالألوهة فتحول من شخصية هاربة لامنتمية إلى واحدة من أكثر الشخصيات الإنسانية قوة وتأثير.
تمت ترجمة أعمال لويس إلى أكثر من 30 لغة، كما بيعت منها ملايين النسخ منها عبر السنين. وكانت سجلات نارنيا الأكثر مبيعا، وقد تم تعميمها في أشكال مسرحية وتلفزيونية وإذاعية وسينمائية.