عشاق الله

عظمة العطاء

 

المحبة والعطاء صنوان لا يفترقان أبدا. هل يمكن تصور المحبة من دون نية أو استعداد للعطاء؟ طبعا لا. ثم هل يمكن القول أن العطاء من دون محبة هو فعلا عطاء حقيقي ؟ طبعا لا. العطاء هو أن تعطي لغيرك عن محبة صادقة ما تجود به نفسك عن طيب خاطر.. بل من غير أن يسألوك أن تعطيهم، ومن غير أن تنظتر مقابلا منهم. العطاء هو أن لا تعيش لأجل نفسك فقط، بل للآخرين، هو أن تمنحهم أو تقاسمهم ما لديك. العطاء هو أن لا تنظر لقيمة ما ستعطيه ولكن إلى مقدار ما سوف يحدثه عطاؤك ومدى تأثيره.

ولا أظن أن العطاء بهذا المعنى يختلف في الكثير من الأديان والثقافات. فالإسلام مثلا يحث كثيرا على العطاء والبذل دون انتظار مقابل مادي أو معنوي حيث نقرأ في سورة الإنسان: " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا". أما الكتاب المقدس خاصة الإنجيل، فيمتلئ بوصايا السيد   المسيح عن أهمية وبركة العطاء. فهو لم يكف   عن دعوة الناس وحثهم   على مساعدة المحتاجين والمساكين والفقراء والعطف عليهم والسخاء والكرم في العطاء، وتحرير النفس من لوثة حب المال والتملك والأنانية، بل وذهب بعيدا في حث الناس على العطاء دون إعلان ذلك تجنبا للرياء. بقول السيد المسيح:

  لاَ تَخَافُوا، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ. بِيعُوا مَا تَمْلِكُونَ وَأَعْطُوا صَدَقَةً، وَاجْعَلُوا لَكُمْ أَكْيَاساً لاَ تَبْلَى، كَنْزاً فِي السَّمَاوَاتِ لاَ يَنْفَدُ، حَيْثُ لاَ يَقْتَرِبُ لِصٌّ وَلاَ يُفْسِدُ سُوسٌ. لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ، يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضاً. لوقا: 12: 32-34

وهو نفس المعنى الذي أجاب به الشاب الغني حين سأله عن الطريق إلى الحياة الأبدية: "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي" متى 19: 21

لكن أعظم مثال للعطاء وللمحبة على الإطلاق هو بذل المسيح نفسه على الصليب فداء لبني البشر. هنا أعظم صورة للعطاء، وأعظم درس رباني على محبة الله لبني البشر كما تلخصها تلك العبارة العظيمة في إنجيل يوحنا: "هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد" يوحنا 3: 16. فالسيد المسيح جاء إلي العالم لغرض واحد هو بذل نفسه وتقديمها فدية عنا.   وقد سبق أن أخبر تلاميذه بذلك قائلا: "إن أبن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مرقص 10: 45).

فهل نحن حقا نجسد هذا لمعنى الحقيقي والجليل للعطاء في حياتنا اليومية؟

نادر عبد الأمير