عشاق الله

الكاتب باولو كويلو: التمييز بين الدين والروحانية

  باولو كويلو: التمييز بين الدين والروحانية

كتب الكاتب الياباني كينزابورو أوي، الحائز جائزة نوبل للآداب، على ظهر غلاف رواية "الخيميائي" الجملة الثاقبة التالية: "يعرف باولو كويلو سرّ الخيمياء الأدبية." وفي هذا القول الكثير من الحقيقة، إذ استطاع الكاتب كويلو خلال فترة قصيرة نسبيًا أن يفرض نفسه على الساحة الأدبية العالمية، وأن يغدو كاتبًا مقروءًا على نحو واسع، وأن تُترجم أعماله إلى لغات عديدة جدًا، والأهم من هذا كله أن تحظى كتاباته بملايين القرّاء والمعجبين في أنحاء العالم وأن تجد صدى في نفوس قارئيه.

فهناك عدد لا يُستهان به من قرّاء كويلو الذين شغفوا بعالمه، بالذات كتابيه الأوليْن، لا يزالون تحت تأثير عالم هذا الكاتب "الحكواتي" البارع، كما أنّ قسمًا من القرّاء تغيّرت حيواتهم بفعل التفاعل مع كتابة وعوالم هذا الكاتب، الذي تطرح أعماله أسئلة كثيرة وأحيانا تستفزّ مُتلقّيها.

وُلد باولو كويلو سنة 1947 في ريو دي جانيرو، وقبل أن ينصرف إلى كتابة الأدب كان إنسانا هيبّيًا ومؤلفَ أغان لأشهر نجوم البرازيل، وكتب للمسرح وعمل في شركة اسطوانات، ودفع به أهله غير مرة إلى المِصحّة النفسية لاعتقادهم بأنه مُصاب بلوثة عقلية، وشارك في الحركات السياسية اليسارية في بلاده، واُعتقل وسافر كثيرًا. وفي كلِّ هذه الحياة الحافلة التي عاشها كان حلم الكتابة يراوده ويستحثه على أن يكتب ويعطي الكاتب الذي فيه الفرصة اللائقة من أجل الانطلاق والعيش والحياة والتطوّر.

في سنة 1986 حجّ كويلو إلى مزار القديس يعقوب، المزار الإسباني القديم، وبعدها كتب كتابه الأول عن هذه التجربة أسماه "حاج كومبوستيلا"، ثم عمل بعدها بسنة على كتابة كتابه الأشهر "الخيميائي"، الذي كرّسه واحدًا من أكثر كتّاب العالم شهرة وقرّاءً. وتتالت أعماله الأخرى التي فرضته كاتبًا شعبيًا واسع الانتشار، فأصدر: "فيرونيكا تقرّر أن تموت" و"على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت" و"الشيطان والآنسة بريم" و"الجبل الخامس" و"مكتوب" و"إحدى عشرة دقيقة" و"الزهير"، وغيرها من الكتب الأخرى.


لإلقاء بعض الضوء على ظاهرة هذا الكاتب السّاحر، وسيرة حياته   كان هذا الحوار الذي أُجري بواسطة الإنترنت:

(أجرى الحوار الأستاذ رياض بيدس)

-في كتبك التي قرأتها تتحدث على نحو مباشر أو غير مباشر عن الله. أيوجد عندك تعريف أو تصوّر شخصي عما يكونه الله، أو من المحتمل ان يكونه؟ هل لك أن تتوسّع في شرح هذا الأمر؟ وما الذي تعنيه بروح العالم؟


"في بداية حياتي أردت أن أحصل على أجوبة لكلّ شيء، لكني الآن أدرك أنه ليس بوسعي أن أحصل على هذه الأجوبة. أعرف فقط أنني حي وأن هناك شيئا يُظهر ذاته جليا في حياتي، وهذا هو الله. أومن إيمانا قويًا بأنّ كلّ ما نراه، كل شيء موجود قدامنا، ليس إلا الجزء المرئي الظاهر فقط من الواقع، لكن هناك جزءًا غير مرئي تسيطر عليه العواطف والانفعالات والمشاعر. هذا هو مفهومنا أو ما ندركه عن العالم، لكنّ الله كائن -على حد تعبير وليم بليك- في حبة رمل وفي زهرة. هذه الطاقة موجودة في كل مكان.

"وبرغم ذلك، إنه لهامّ جدًا أن نميّز بين الدين والروحانية؛ أنا كاثوليكي، لذا فان الدين بالنسبة لي هو طريقة لأن تكون لنا مجموعة قواعد ونظم وعبادة جماعية مع أشخاص يشتركون في الأسرار المقدسة عينها. لكن كل الأديان، في النهاية، تسعى إلى الإشارة والدلالة إلى ذات النور المشترك بينها جميعًا. وأحيانا يكون بين النور وبيننا الكثير من القواعد والقوانين. بعض من هذه القواعد هام، والبعض الآخر منها يجب ألا يعمينا وألا يضعف من كثافة هذا النور الذي هو روح العالم."



- على نحوٍ ما أنت حاجّ . أما زلت ذلك الحاجّ الذي كنته ذات مرة؟ وماذا يعني لك أن تكون حاجّا أو مسافرا في رحلة كما فعلت ذات مرة، وربما لا زلت تفعل؟ وبعدها أن تتشارك هذه التجربة الغنية مع الآخرين بالكتابة عنها؟

"أنا كاتب حاجّ. لقد سافرت دائما وكثيرا، وقابلت أناسا من مختلف الخلفيات وتعلّمت الكثير من الطرق والأساليب للاقتراب من الروحانية. ليست للروحانية أية علاقة فيما إذا كنتُ مؤمنا بالله أم غير مؤمن: إنها ليست إلا طريقة لفهم الحياة. وعن طريق تساؤلاتي توصلّت إلى قناعة مؤداها أنّ على الإنسان أن يقوم بتحقيق أسطورته الشخصية؛ ما هي الأسطورة الشخصية؟ إنها السبب الذي يجعلنا نشِطين ومفعمين بالحياة. وفي حالتي، كانت هذه الأسطورة هي أن أشارك وأتقاسم أفكاري مع الآخرين من خلال الكتابة.

"لدينا أحلام ليست هي بالضرورة تلك الأحلام التي يريدها لنا آباؤنا أو المجتمع. لذا علينا التخلّص من فكرة تحقيق ما يتوقع الناس منا أن نقوم به، وبدلا من ذلك أن نبدأ العمل على ما نتوقع نحن من حياتنا. إنّ الرسالة في رواية "فيرونيكا تقرّر أن تموت" هي التالية: تجرّأ على أن تكون مختلفًا. أنت فريد من نوعك، وعليك أن تقبل ما أنت عليه من فرادة، بدلا من أن تقوم بمحاولة إعادة استنساخ أقدار الأشخاص الآخرين أو أنماط حيواتهم. الجنون هو أن تتصرّف على مثال شخص ليس ما هو أنت عليه أو تكونه. الحالة الطبيعية هي أن تكون قادرًا على أن تُعبِّر عن مشاعرك (وفي حال توقفك عن الخوف من مشاركة حقيقة ما يدور في قلبك، فإنك تغدو إنسانًا حُرًّا). وبدءا من اللحظة التي لا تخاف فيها ان تشارك حقيقة قلبك وما يدور فيه، فانك تغدو انسانا حرًّا."


كل ما عليك فعله هو أن تنظر إلى الجبل ...


- لقد تأثرتُ جدًا في أول كتبك المُسمّى «حاج كومبوستيلا»، إلى درجة أنني قرأته ثلاث مرات. أذكر أنّ قراءتي الأولى للحج تزامنت مع قراءتي لواحد من أفضل الكتب النفسية ((The road less traveled، لمؤلفه ام. سكوت بك، ولمفاجأتي السارة أنني بعد سنين وجدتُ تعليقا من هذا الدكتور مُدونّا على غلاف كتاب «الخيميائي» (النسخة الإنجليزية). على أي حال، لقد حاولتُ في عاصمتيْن أوروبيتيْن كذا مرة في حفل لتوقيع كتبك أن أقابلك لمحاورتك عن كتابك «حاج كومبوستيلا»، إلا أنّ طوابير القرّاء التي كانت في انتظارك لتوقيع كتبك كانت تجعلني أتراجع وأعود إلى البيت «خائبا من نفسي». فيما أسئلة كثيرة تتردد وتضج في رأسي . بصراحة كنت أريد أن أحاورك عن كتابك «حاج كومبوستيلا» فقط؛ إذ عندما قرأتُ هذا الكتاب الأوتوبيوغرافي الذي هزّني من الأعماق كنتُ دائمًا أتساءل: ما هو أو أين الخط الدقيق بين العمل الروائي (الخيالي)، واللاخيالي، أي الواقعي في هذا العمل الجميل؟ وهل كانت هذه الرحلة أو الحج عبارة عن تقدّم عظيم ومفاجئ في حياتك؟

"رواية "حاج كومبوستيلا"، بالأساس، هي قصتي. لقد كتبت عن رحلتي الحقيقية، عن قصتي الصادقة. في كتبي الأخرى أستعمل وأستغل حياتي كمجازٍ واستعارةٍ، وليس هناك بين كتبي الأخرى ما هو أوتوبيوغرافي كما في كتابي الأول. ولكن كي أجيبك عن سؤالك، أيّهما كان الأكثر أهمية في حياتي، الطريق أم الكتاب؟ ما أستطيع قوله: كلا الأمريْن؛ ففي الحج بدا لي واضحًا، وعلى نحو متزايد، أنني لم أكن سعيدًا وأنه يتوجب عليّ أن أفعل شيئًا حيال هذا الأمر، وأن أتوقف عن اختلاق الأعذار. لقد أدركتُ أنه لا يتوجّب عليّ أن أخوض سلسلة من التجارب المُعقدة كي أحقّق هدفي. كل ما عليك فعله هو أن تنظر إلى الجبل، فقط، وأن تحصل على صلة مع الله. لا ينبغي أن تفهم الجبل كي تشعر بذلك.

"في البداية، بعدما عدتُ من الرحلة، كنت أعيش حالة من الهبوط المفاجئ. ووجدت صعوبة كبيرة في العودة إلى حياتي الطبيعية والتأقلم معها. كنت نافد الصّبر بَرمًا، وذلك لرغبتي في تغيير حياتي بسرعة شديدة. بيد أنّ التغييرات تحدث عندما تكون مستعدًا. لقد استغرقني بضعة أشهر لأدرك أنّ ما عليّ التركيز عليه هو كتابة كتاب فقط، بدلا من القيام بأدوار ومهام مختلفة كما كنت أفعل في السابق. كانت رحلة الحجّ هي موضوعي. وحالما شرعتُ في الأمر خطوت أولى خطواتي صوب حلمي.

"السفر في رحلة حج هو من عمل على إعادة إيقاظ ذلك الوعي فيّ، لكنك لست مجبرا على السير في طريق سانتياغو لكي تحصل على الفوائد. فالحياة ذاتها هي عبارة عن رحلة حج، إذ كل يوم يختلف عن الآخر، وبإمكانك يوميًا أن تحظى بلحظة ساحرة، غير أننا لا نرى الفرص السانحة لنا، وذلك لأننا نفكر: "آه، هذا مُمل، فأنا مسافر إلى مكان عملي." لكننا كلنا في حالة من السفر والحج، شئنا أم أبينا ذلك. والغاية، أو الهدف إذا شئتَ، أو السانتياغو الحقيقي، هو الموت. عليك أن تعمل على الاستفادة قدر ما تستطيع من الرحلة، إذ -في النهاية- لا تملك شيئا سوى الرحلة. إنه ليس هامّا ما تجمعه بلغة الثراء الماديّ، لأنك على أيّ حال ستموت. إذًا، لماذا لا تعيش؟ عندما تدرك أنه بمقدورك أن تكون شجاعًا، وهذا هو أول شرط من شروط البحث الروحي- عليك أن تجازف."

في "الخيميائي" نتوصل إلى النتيجة التالية: الرحلة ذاتها هي أكثر أهمية من الكنز. وهذا يقودنا إلى التفكير بأنّ هذه الرحلة هي رحلة روحية من أجل تحقيق الذات. وهذا يستفزّنا لأن نكون أنفسنا وأن نرفض تكييف ذواتنا وأعمالنا وفقًا لأفكار وتوقعات الآخرين منا، Conformity، إذ أنّ هذا التكيّف قاد فيرونيكا في رواية «فيرونيكا تقرّر أن تموت» إلى أن تحاول الانتحار، ثم توضع في مستشفى للأمراض العقلية. هل امتلاكنا الشجاعة، ومن ثم المجازفة، هما مهمّتنا وهدفنا في هذه الحياة، وذلك لئلا «نموت»؟

"كل حلم يحتوي كوابيس عديدة. أعتقد أننا نعرف هذا الأمر من بداية حياتنا. عندما نقوم بأداء أشياء مفروضة علينا من المجتمع، فإننا نخاف أن نؤذي ونضايق الأشخاص الآخرين، وعندها نبدأ بالتخلّي عن أحلامنا. وبعد فترة من الزمن، ننساها تقريبًا. وهذا ما يجعلنا أشخاصًا أشقياء تُعسا، إذا لم تسلك أو لم تقضِ حياتك من أجل أحلامك، إذا لم تحارب من أجل أحلامك، كل هذا يجعلك إنسانا تعِسًا.

"أنا مثال حيّ على ما أقول. ما من أحد يفكر على نحو واقعي أنك تستطيع العيش من الأدب في البرازيل. لقد واجهت صعوبات شتى. عندما كنت شابا، قام والداي بعمل يائس من أعمال الحب، لاهتمامهما بي وقلقهما على وضعي، قاما بإرسالي إلى مؤسسة عقلية، ظنا منهما أنني مجنون لأنني أريد أن أكون كاتبًا. على أيّ حال، لقد كنت مقتنعا غاية الاقتناع بما أريد أن أكون.

"لا يكفي أن تعرف حقيقة أحلامك؛ إنه لأمر غير صحيّ أن تعيش مع حقيقة أنك تحمل أحلامك جُوّاك فقط. عليك أن تفكر بالإجراءات والتدابير لإظهار أحلامك وأن تكون شجاعًا بما فيه الكفاية لتدفع ثمن تحقيقها. بمعنى ما، لقد أجّلتُ أنا أحلامي عندما اقتضتني سنون طويلة لأن أكتب كتابي الأول- كتاب رحلة.

"ثمة أوقات لا تنجح فيها بتحقيق أمر تؤمن به. هذه المرحلة هي ما يُطلق عليها الكابوس. فبعد كتابتي "الخيميائي" ما وجدتُ ناشرًا. عندها شعرتُ بأذًى. إذا ما أوذيت بشأن أمر لا يعني لك باستطاعتك عندئذ أن تنحي بسببه باللائمة على أي كان. بيد أنه لأمر مُعقّد جدًا ودقيق أن تؤذى بسبب شيء يعني الكثير لك. عندها تصاب بالتشويش، لمعرفتك بأنّ الحلم موجود هناك، ولن يتركك الحلم طالما أنت على قيد الحياة. وعندما تموت، ثمة طفل في داخلك، سيسألك، لماذا لم تتبعني؟ وعليك أن تشرح له سبب تخلّفك. لهذا، من الأفضل أن تجازف، أن تؤذى، أن تسير عبر كابوس ما كي تحقّق أحلامك."



" ألف ليلة وليلة" وجبران خليل جبران


- تتحدث في «الخيميائي» و»حاج كومبوستيلا» عن «العلامات» أو «الإشارات». كيف لنا أن نفهم هذه العلامات؟ وأما زلت تبحث عن علامات؟

"العلامات أو الإشارات هي اللغة الخاصة بك التي بواسطتها يتكلّم الله معك. فعلاماتي ليست علاماتك. إنها على هذه الدرجة من الغرابة، لكنها لغة فردية جدا ترشدك إلى قدرك الخاص بك. إنها ليست منطقية. إنها تتكلّم إلى قلبك مباشرة. الطريقة الوحيدة التي تستطيع من خلالها أن تتعلّم أية لغة هي من خلال ارتكابك الأخطاء. لقد ارتكبت أخطائي، لكني عندها فقط بدأت أتواصل مع العلامات والإشارات التي توجهّني وترشدني. أومن بأنّ هذه العلامات هي صوت الله الصامت الذي يقودني إلى الأماكن والمطارح التي ينبغي لي أن أكون فيها."



- من خلال قراءتنا لأعمالك نستطيع أن نلمس بوضوح تأثير الثقافة والأدب العربييْن على أدبك. فتأثير "ألف ليلة وليلة" حاضر وبقوة في عملك المدهش "الخيميائي". ما رأيك بالثقافة والأدب العربييْن؟

"ليس في "الخيميائي" فقط. فأنا أحمل وأكنّ إعجابًا عميقا بالثقافة العربية، وأكتب الآن زاوية أسبوعية في جرائد ومداخل ومجلات متعددة في العالم، أحاول أن أتقاسم فيها مع مختلف القرّاء قصصًا من ثقافات مختلفة. ولا يصعب عليك أن تجد في هذه الزاوية قصصًا من الثقافة العربية، خصوصًا وأنكم رُواة وحكواتيون مُدهشون ورائعون، إذ أنكم غالبًا ما تشاركون وتقتسمون قيمكم ورؤاكم عبر نتاجكم الأدبي والشعريّ. وصحيح جدا أنني كطفل، ترك "ألف ليلة وليلة" عليّ تأثيرًا قويًا جدًا.

"وفي فترة لاحقة من حياتي، أثرّ فيّ أدب جبران خليل جبران تأثيرًا كبيرًا وقويًا، لدرجة أنني قمت بإعداد تعديل لأحد كتبه "رسائل حب من نبي"، وإلى يومنا هذا ما زلت أعتبر كتاب "النبي" كأحد الكتب الحاسمة في حياتي وعملي."



-"لو تمنيت بصدق شيئًا ما، فإنّ العالم كله يتآمر كي يحققه". هذا هو الشعار أو الموتيف الجميل الذي يتكرّر هو وصداه في عملك "الخيميائي"، وفي كتب أخرى من كتبك. هذا الموتيف عميق جدا ومشجّع ومقنع واستثنائي إلى حد كبير جدًا. ماذا لديك لتقوله حول هذا الموتيف الباهر؟

"إذا سعيتَ وناضلتَ من أجل أحلامك كما حدث في "الخيميائي"، فإنك تتمتّع بكلّ خطوة تقوم بها، وتكون حقا قريبا مما يريده الله لك أن تكون. لكن إذا كان هذا هاجسًا، فإنك لن تصل إلى هدفك فحسب، بل ستكون حياتك مليئة بالقلق.

"كانت هناك فترة من حياتي أردتُ فيها أن أحقّق أحلامي. لكنني بدلا من كتابة كتاب، كنت أفكر كيف "أكون كاتبا"، إلى أن أدركت أنّ هذا التوجه هو توجه خطأ لتحقيق أسطورتي الشخصية. كما كانت لديّ أيضًا هواجسي الشخصية الأخرى، لكوني مسحوقَ القلب، ولعدم قدرتي على التفكير بأي شيء آخر عدا الإنسانة التي أحبّ، لكنها لم تبادلني حبًا بحب. عندما تسعى إلى تحقيق حلمك بتصميم وإصرار، وليس بالهواجس، عندها يتآمر الكون كي يساعدك، لأنك عندئذ تكون قادرا على قراءة العلامات والاستمتاع بالرحلة."



- ما هي الرسالة التي أردتَ نقلها إلى القارئ في روايتك "إحدى عشرة دقيقة"؟

"يصوّر هذا الكتاب كيف أفهم الجنس، وجهة نظري الخاصة عن الجنس. الجنس طاقة كبيرة جدًا باستطاعتها أن تحوّل الناس بالكامل. عزمتُ على كتابة رواية كهذه منذ زمن بعيد، لكن بالعودة إلى الوراء كل ما أردت وصفه هو الجانب العجائبيّ "المقدّس" من الجنسية. غير أنني، فيما بعد، أدركت أنّ الجانب المظلم من الجنس لا يمكن أن يُهمل. فكلا الجانبين هما ما يجعلان من الجنس تجربة حب وتوحّدًا وانسجامًا: تجربة إلهية."



" أختار الحياة ومحاربي النور "


- ماذا يعني الأدب لك؟

"كتابتي مُوجزة ومختصرة ومباشرة، وهذا يجب ألا يعتبر خطأ على أنها كتابة سطحية. أعتبر أنّ جزءًا من الحالة الإنسانية تستدعي المشاركة في المعتقدات بأفضل طريقة، وخلال رحلة حجي إلى مزار القديس يعقوب في عام 1986 توصلّت إلى استنتاج مفاده بأنّ معظم تعاليم ودروس الحياة الأساسية والأكثر جوهرية تكمن في أبسط الأشياء.

"أية قيمة للتواصل إذا لم نحاول أن نجعل من أنفسنا أكثر فهما ووضوحا ومشاركة؟ إنها قضية توجّه من الحياة: إما لك أن تكون جزءًا من الحياة وأن تقتسم روحك مع الآخرين، أو أن تغلق نفسك إغلاقا تامًا وتدريجيا تنسحب من الحياة. شخصيا، أختار الحياة ومحاربي النور الذين يتواجدون في كل مكان والذين يلهمونني.

"ربما كان أولئك الأشخاص عبارة عن سائق تاكسي، أو شخصا تقابله مصادفة في الحافلة: إذا كنت يقظا ومتنبّها إلى العلامات والإشارات- فان هذا الشخص، حتى لو لم تره/ ترَها ثانية، فإنه سيمنحك المقدار الصحيح والكافي لتأخذ القرارات التي تؤجلّها. لذا، كل ما نحتاجه هو أن نكون متنبّهين إلى العلامات، ومُنفتحين للناس، وعلى الاستعداد لاقتسام أرواحنا والشراكة."



- بعد قراءة كتبك يشعر القارئ بتفاؤل أكثر وبسعادة وبأمل. وحتى أنّ الشرّ في "الشيطان والآنسة بريم" لا ينتصر كليا في نهاية الرواية. من المؤكد أنك على اطلاع على حالة ومعاناة الشعب الفلسطيني. ماذا تقول لهم؟

"أنا لا أومن بالرسائل. في هذا الشأن أستطيع القول إنّ هناك شيئًا واحدًا أثمنّه عاليا في الإنسان: ربما كانت عندك مخاوفك، ربما كانت هناك لحظات من الشكوك، لكنك لا تستطيع أبدًا أن تكون جبانًا. عليك أن تواجه مخاوفك، يجب أن تتغلّب على لحظات شكّك، ويجب أن تؤمن بأنه إذا تطلّعت وبحثت، فإنّ هناك حلولا. لو تمنيت بصدق شيئا ما، فإنّ العالم كله يتآمر كي يُحققه، حتى لو اقتضى تحقيقه سنينًا أو عقودًا. لكن كي تفعل ذلك يجب أن تكون شجاعًا، شجاعًا بما فيه الكفاية لأن تحارب من أجل أشياء تعني الكثير لك أنت، ولا تعني الشيء الكثير للآخرين، بل تعني الكثير لك أنت."