خوف المسلمين والمسيحيين
إنَّ خوف المسلمين والمسيحيين من بعضهم البعض ليس مبنيا فقط على جهل، إنما يخشى كل واحد منهما أن يكون هَم الآخر ينحصر فقط في ربح الوقت وجمع الميزات من أجل القيام بالتبشير. وتستطيع كل جهة أن تشير إلى ممثلي الجهة الأخرى، التي تقوم بنفس الشيء. ويجب طبعا مراقبة الشركاء في الحوار بإمعان ولمدة طويلة. من جهة أخرى وكما يقول مثل شعبي، الثقة العمياء خطيرة، لكن عدم الثقة مميت.
يحتوي كل من القرآن والإنجيل على دعوة توصي الأتباع بالقيام بالتبشير؛ لذا لا يمكن أن يكون فحوى السؤال هنا، هل يقوم أحد بالتبشير أثناء الحوار؟ بل يجب أن يُسأل عن ما هو أبعد من ذلك. أي، هل هناك أشكال للتبشير تفي بدعوة كل من الديانتين إلى التبشير، مع عدم مضايقة الآخر والمساس به ؟
سأجيب على هذا السؤال، بدون حرج، بنعم.
- لا توجد ديانة تأمر بإجبار الطرف الآخر في الحوار على الاستماع، إذا لم تكن لديه القابلية لذلك.
- لا تلزم المسيحية والإسلام أتباعها على هداية معتنقي الديانات السماوية بالذات، الذين هم أصلا قريبين من الله، وتجنب الملحدين.
- لا يحب الله أن يعتنق شخص لا يؤمن فعلا، ولو بشكل رسمي، دينا عن طريق الخديعة والضغط. لأن مثل هؤلاء لا يساهمون في توسيع مملكة الله.
- لا تمنع المسيحية والإسلام أن يكون المؤمن التقي، بسيرته الحسنة، قدوة للآخرين.
- يوصي الله المؤمنين بالتأكيد في حديثهم دوما على القواسم المشتركة وعلى الاختلافات الموجودة بين الأديان، وينهي عن اعتبار كل ما هو مخالف تحديا وفاصلا بينهم.
- لم يلزم الله البشر على أن يجيبوا بسرعة على أسئلة لم يفهموا محتواها ولم يتمكنوا من إدراك عمقها.
كخلاصة لما سبق، يمكن القول بصفة عامة، إن التبشير ضمن الحوار ليس مزعجا في الأساس، إذا لم يكن يشكل الدافع الرئيسي للحوار أو يتخذ من الحوار مجرد ذريعة للقيام بالتبشير. يجب على كلا الطرفين أن يكونا مستعدين لتعريض مواقفهما الدينية للتشكيك، من خلال سماع حجج الطرف الآخر.
لكن ما هي المنفعة التي من شأن الحوار أن يجلبها في النطاق الديني، إذا كانت كل ديانة من الديانات السماوية مقتنعة اقتناعا تاما أنها المالكة الوحيدة للحقيقة الإلهية؟ يمكن استخدام الحوار الديني كوسيلة لإعادة تنظيم المواقف العقائدية لكل طرف، والتي خرجت عن الرؤى الشخصية.
من المنظور العقائدي، يعتبر المسيحي نفسه»ابن« الله، في حين يرى المسلم نفسه »عبدا« له، لذلك يبدو لي أن المسيحي الذي يعتقد أن الله أبوه دوما في خطر من الإنطلاق أن هذا الأب سيتكلف بكل شيء. فالمسيحي يستطيع أن يتعلم من المسلم أن مراجعة نظرته إزاء قداسة الخالق.
من جهة أخرى يكاد لا يوجد حديث بين المسلمين والمسيحيين يخلو من ذكر الثالوث. يجهل كثير من المسلمين أن ما يصفه القرآن بالثالوث لا علاقة له تماما بثالوث المسيحيين في وقتنا هذا. فالقرآن ينتقد في سورة المائدة 5/116 اعتقادا مفاده: إن الله يتكون من »الله والمسيح ومريم«. لقد كانت هناك فعلا طائفة مسيحية، في البلدان العربية، في عهد الرسول محمد تؤمن بذلك. كانت آنذاك أقلية صغيرة لم يعد لها اليوم أي أثر. وهنا يجب على المسلم أن يتعلم من المسيحي أن لا يعمم، بدون تفكير، نقد القرآن لحالة خاصة وفي عصر مضى على كل المسيحيين الآن.
نقرأ في الآونة الأخيرة ادعاء مفاده أن جميع أنواع الحوار بين الديانات قد أصابها الشلل وأن الحوار قد أدركه الإعياء وأن الجو قد انقلب من النشوة إلى اليأس. إني أطلق على مثل هذه الادعاءات عبارة »العقلية المحصنة»، حسب رأيي، ليس للمسلمين ولا للمسيحيين أي حق في عدم الدخول في الحوار. إن التحذير من مزج الأديان أو التلفيق، يصدر غالبا، كما أثبتت التجربة، عن أشخاص لم يشاركوا أبدا في الحوار. فهناك قانون طبيعي مدهش يؤكد أن التقرب من ديانة أخرى يؤدي بالمرء إلى القيام ببحث مكثف في ديانته والانطلاق نحو آفاق أرحب في علاقته مع الخالق.