عشاق الله

معنى أن تكون أبا، أن تكوني أما!

قال أحدهم " كثير من الرجال لهم أولاد، لكن قليلٌ من الأولاد عندهم أب". سأتحدث عن الأبوة، ولكن من دون شك، عندما أتكلم عن الأبوة، فأنا أتكلم ضمناً عن الأمومة.

يبدو لي أن الحب الأمومي والحب الأبوي يتخطيان بعمقهما وبزخمهما كل أنواع الحب الأخرى، وحتى إنهما يتخطيان الحب الزوجي، وهذا الأخير يستند إليهما ويتشبه بهما بما يملك من الحسنات الفضلى ومن التجرد.

الزوجة الحقيقية هي أم تعطي الحياة لأولادها باستمرار في هذا العالم لتعيدهم إلى أنفسهم وتعرفهم إلى العالم المجهول وتمنحهم الثقة بالحياة، فيجب عليها كذلك أن تخلق زوجها من جديد وذلك عندما تضع ثقتها به وما دامت تساعده وتدعمه وتأمل خيراً به، فهذا الرجل هو إنسان محظوظ سوف يتوصل أن يثق بنفسه. والزوج الحقيقي هو من يخلق زوجته من جديد فكم من مرة تستعيد وهي بين ذراعيه ثقتها بنفسها، وأملها وشجاعتها فهما يتعاضدان ليستعيدا حياتهما، ويستطيعان وهما يخدمان بعضهما بعضا أن يؤمن كل واحد ما هو بحاجة إليه وما يعجزُ أن يقوم به بمفرده.

أن أكون أباً ... أن أكون أماً: هو إنسان يريد أن يكون هناك أشخاص يمدهم بوجوده وبفرحه بالحياة وينعشهم بحياته ويُبهجهم ويعلمهم مذاق فرحته بالذات وهو أن يكونوا بدورهم آباء وأمهات. أنت تعطي أولادك المحبة ليصبحوا بدورهم أباً وأماً، هذا ما فعله الله معنا. الله الذي هو أب وهذا الكائن البريء الذي خلق العالم من أجل أن يكون هناك كائنات يُمكنه أن يمدها بوجوده، بكرمه وبفرحه. فالله خلق العالم ليبرهن إلى أي مدى يعرف أن يحب، أرسل ابنه ليتجسد وقمة الخلق هي الصلب، لقد أرانا الله إلى أي مدى يعرف أن يحب، لم يكن لديه أي هدف آخر.

الأبوة أو الأمومة هي أن تظهروا إلى أي مدى تعرفون أن تحبوا، إلى أي مدى تعرفون أن تخلقوا وإلى أي مدى تعرفون أن تخدموا بالحقيقة. الأبوة هي روحية بقدر ما هي جسدية، كل واحد منا مدعو أن يصبح أبا وأما، وذلك من أول الحياة إلى آخرها. ليس هناك أي حدود لهذا الخصب الروحي (...)

عندما أراد الله أن يدعو إبراهيم هل تعلمون ماذا فعل؟ لم يعطه درساً في الديانة ولم يلقِ عليه عظة دينية ولم يطلب إليه رياضة روحية، لقد جعله "أبا" لقد جعله يقوم بتجربة وجودية. جعله يفهم ما معنى أن الله آب. ولما أراد الله أن يجعل منه أباً يعرف كل معنى الأبوة، أطلعه على كل أسرار قلب الله، جعلَ منه أباً قادراً أن يتخلى عن ابنه وان يجعل ذلك يتخطاه بمعنى آخر. ابنه لم يمت لكنه مر عبر الموت والقيامة هذا ما جاء في رسالة القديس بولس إلى العبرانيين(11/17)

إن الشبه الموجود بينكم وبين الله والذي لا يُمحى أبداً هو ما قاله السيد المسيح: "إذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون أن تكونوا صالحين مع أولادكم فكيف بالأحرى أباكم الذي في السماوات؟" لديكم هنا شيء لا يمحى، شبهٌ بالله لا يؤثر فيه الزمن.

جرّبوا ذلك مع الأولاد غير المنضبطين، الأولاد الذين يصعب إقناعهم. فإذا حاولت أن تكلمهم عن الله الآب، فهذا آخر شيء يهمهم. فما الوسيلة؟ حسب رأيي يجب أن نجعلهم مسؤولين عن أشخاص آخرين وأن يختبروا معنى الأبوة والأمومة الحق. استشيروهم.

  أ. أ . أزرق