عشاق الله

إله واحد

كتب شاب أمريكي مقالا عن الله في الإسلام، و شرح فيه بإسهاب كيف أن إله المسلمين هو نفس الإله الواحد الأحد الذي يؤمن به و يعبده اليهود و المسيحيون أيضا. لكن فاجأني كثيرا بعد ذلك الموقف الرافض لهذا الطرح من طرف العديد من المسيحيين الغربيين الذين كتبوا ردودا كثيرة يحاولون فيها تفنيد مقالة ذلك الشاب، إذ المسلمون بالنسبة إليهم لا يعبدون نفس الإله الذي يعبدونه هم، كما أن إله المسلمين لا علاقة له بإله إبراهيم و موسى و السيد المسيح. بل هو إله قمري وثني، متعطش لسفك دماء الأبرياء. و لقد استشففت من تلك الردود مدى الهوة التي باتت تتسع بين المسلمين و الغرب المسيحي منذ أحداث 911. 

نفس النغمة النشاز يعزفها الكثير من المسلمين أيضا حين يقصون المسيحيين من معرفة الله الواحد الأحد بدعوى اعتمادهم مفاهيم إيمانية تتعارض مع تصورهم الخاص للوحدانية. كما أنهم يخلطون بين الأديولوجيا الاستعمارية التي استغلت الدين و بين المسيحية كعقيدة. و هو الأمر الذي أدى إلى الكثير من سوء الفهم و إحياء النعرات الصليبية و الجهادية حتى أصبحت فتنة تذكر بالبيتين المشهورين لأبي العلاء المعري، و لو أنه كان يختص بقوله مدينة صغيرة فقط:

في اللاذقية فتنة ما بين أحمد و المسيحْ

هذا بناقوس يدق و ذا بمئدنة يصيحْ

لأولئك و هؤلاء نقول أن الله تعالى لو أراد الناس أمة واحدة، و منهاجا واحدا في معرفته لفعل، و أن له حكمة لم نسبر أغوارها بعد في اختلاف أساليب و طرائق و مناهج معرفته، بل و في اختلاف طقوس التقرب إليه و عبادته. فهو تعالى ليس مِلْكا خاصا لجهة معينة، بل هو مالك الكل الذي يكرم كل واحد حسب تقواه. لذلك علينا الكفّ عن ممارسة عملية الإقصاء ضد بعضنا البعض، و تكفير بعضنا البعض، و الانكباب بدل ذلك على سبر العمق الوحداني و الروحاني، العبادي و المعاملاتي في كل من المسيحية و الإسلام. و هذا يعني أيضا كما قال المطران مارون اللحام تخطي مرحلة المجاملات ومجرّد الكلام الجميل والتغنّي ببعض الأمثال من الماضي السّمح لكلا الطرفين، و اتخاذ القرارات والمواقف العملية في التعامل الإيجابي بين المسلمين و المسيحيين، و تغيير بعض أنماط السلوك والتعامل والنظر والتفكير حول الآخر. و أخيرا أن يتم التطلع إلى أن يعمل كل طرف على معرفة الآخر كما يريد الآخر أن يُعرف، لا كما نريد نحن أن نعرفه.

نادر عبد الأمير